تدبرنا كلمة واحدة من الآية التى يصف الله لنا فيها مهام النبى نحونا كأنها بلغة عصرنا خطاب التكليف لنبينا ، فإذا اختار رئيس الدولة رئيساً للوزراء يعطيه خطاب تكليف فيه مهام هذه الوزارة ، والله اختار نبيه لدعوة الخلق إلى الله وكلفه بذلك ، ما مهام هذه الدعوة؟ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً{45} وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً{46} وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً{47} الأحزاب
كم فضيلة وكم تكليف؟ خمسة ، لابد لكل مؤمن أن يتعرف ولو بتعريف بسيط على هذه التكاليف النبوية حتى يتعرف على نبيه ، لأن الله أمرنا أن نتعرف عليه من جهة نبوته ، ليس الشأن أن تعرفه من جهة جسده ومن جهة شكله ومن جهة لونه مع أن ذلك ثابت ، لا، لكن الشأن لنا أجمعين أن نعرفه من الجهة التى أرسله الله إلينا بها وهى جهة النبوة:
وسنتناول هنا تكليفاً واحداٌ من هذه التكليفات باختصار وهو مهمة {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً} يشهد على الأمم السابقة ويشهد علينا جماعة المؤمنين ، كيف يشهد علينا؟ هل هناك شاهدٌ يشهد على شئ لم تره عينه؟ لو كان كذلك فإنه سيكون شاهد زور ، لكنه قال لنا فى حديثه الصحيح: {حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُحْدِثُونَ وَيُحْدَثُ لَكُمْ وَوَفَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ فَمَا رَأَيْت مِنْ خَيْرٍ حَمِدْت اللَّهَ عَلَيْهِ وَمَا رَأَيْت مِنْ شَرٍّ اسْتَغْفَرْت اللَّهَ لَكُمْ}{1}
مَن المحامى العام لجميع الأنام يوم الزحام؟ المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام ، وهل يليق بمحامى أن يترافع فى قضية لم يطلع على أوراقها ويعرف ما بها؟ فلكى يترافع عنا ويدافع عنا لابد أن يطلع على ملفاتنا ولذلك قال: {تُعرض علىَّ أعمالكم} إذا كان ربُّ البرية يقول فى بعض المؤمنين فى حديثه القدسى الذى يحدث به المصطفى صلى الله عليه وسلم:
{مَنْ عَادَىٰ لِي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأعْطِيَنَّهُ وَإِنِ اسْتَعَاذَنِي لأعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ}{2}
فإذا كان ذلك فى بعض المؤمنين فما بالكم بإمام الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم ، إن الله يتفضل عليه فيعطيه نوراً من نوره ويكشف له أسراره ولذلك قال الله لنا أجمعين: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} التوبة105
أرسله الله لنا بالإيمان وأركان الإيمان يقول فيها الرحمن: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} البقرة3
نحن نؤمن بالله وهو غيبٌ لا تراه العيون ولكن تشعر بعظمته القلوب ، ونؤمن بالجنة ولم نرها ونؤمن بالنار ولم نطلع عليها ، ونؤمن بالملائكة ولم نسمع حديثهم مع أنهم يرافقوننا ويبيتون معنا ويتحركون معنا ، ما الذى جعلنا نؤمن بهذا الغيب؟
أن الله أرسل لنا نبياً صادقاً أطلعه على هذا الغيب ثم حدثنا عن هذا الغيب حديث من رأى ومن سمع فآمنا به وصدقنا بالنور الذى أُنزل معه ، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم عندما يتحدث عن الجنة أو النار يقول: {والذي نفسي بيده لقد عُرِضَتْ عليَّ الجنة والنارُ آنفاً في عرضِ هذا الحائط وأنا أُصلي ، فلم أرَ كاليوم في الخير والشرّ}{3}
أى أنه يصف الجنة وصف من يراها ، ولذلك قال يوماً: {ما دَخَلْتُ الجَنَّةَ إلا سَمِعْتُ خَشْخَشَةً ، فقلتُ: مَنْ هذا؟ فقالوا: بِلالٌ ، ثُمَّ مَرَرْتُ بقصرٍ مشيدٍ بديعٍ ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذا؟ قالوا: لِرَجُلٍ مِن أُمَّةِ محمَّدٍ ، فَقُلْتُ: أنا محمَّدٌ ، لِمَنْ هذا القَصْرُ؟ قالوا: لِرَجُلٍ منَ العربِ ، فقلتُ: أنا عربي ، لِمَنْ هذا القصرُ؟ قالوا: لِعُمَرَ بنِ الخطابِ ، فقالَ لبلال: بمَ سبَقْتَنِي إلى الجَنَّةِ؟ قالَ: ما أَحْدَثْتُ إلا توضَّأْتُ ، وما توضَّأْتُ إلا صَلَّيْتُ ، وقالَ لعمرَ بن الخطابِ: لولا غَيْرَتُكَ لَدَخَلْتُ القَصْرَ ، فقالَ: يا رسولَ الله لَمْ أَكنْ لأغَار عَلَيْكَ}{4}
وعن البراء رضي الله عنه قال:{أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللّهِ حُلَّةُ حَرِيرٍ فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَلْمِسُونُهَا وَيَعْجَبُونَ مِنْ لِينِهَا ، فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ لِينِ هذِهِ؟ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْهَا وَأَلْيَنُ}{5}
{1} الإمام البزار والطبرانى رضى الله عنهما {2} صحيح البخارى عن أبى هريرة رضي الله عنه {3} صحيح البخارى عن أنس رضي الله عنه {4} صحيح ابن حبان عن عبد الله بن بريدة عن أبيه {5} الصحيحين البخارى ومسلم