كيف كان يحاسب الفاروق نفسه
قال( الاحنف بن قيس) قدمنا على (عمر بن الخطاب) بفتح عظيم نبشر به
فقال اين نزلتم ؟
قلنا: فى مكان كذا.
فقال معنا حتى انتهينا الى مناخ(اى مبرك الابل)
ركبنا وقد أضعفها الكلال(اى الاعياء من السفر) وجهدهاالسير(اى اجهدها)
فقال :هلا اتقيتم الله فى ركابكم (اى الابل) هذه ؟
أما علمتم أن لها عليكم حقا؟
هلا أرحتموها؟
هلا حللتم بها فأكلت من نبات الارض؟
فقلنا : يا أمير المؤمنين ، انا قدمنا بفتح عظيم ، فأحببنا التسرع اليك والى المسلمين بما يسرهم
فانصرف راجعا ،ونحن معه..
فاتى رجلا فقال : يا امير المؤمنين ان فلانا ظلمنى فأعدنى عليه
فرفع فى السماء ضورته وضرب بها رأسه
وقال تدعوا (عمر)حتى اذا شغل فى امر المسلمين اتيتموه وقلتم : أعدنى اعدنى
فانصرف الرجل يتزمر(أى يتغضب)
فقال (عمر) عليا بالرجل
فجىء به فألقى اليه المخفقه (أى الدره أو سوط من الخشب) فقال اقتص..
قال: بل أدعه لله ولك
قال: ليس كذلك ، بل تدعه اما لله ، وارادته ما عنده،واما تدعه لى..
قال : أدعه لله
قال:انصرف..
ثم جاء حتى دخل منزله ، ونحن معه ، فصلى ركعتين خفيفتين،
ثم جلس ،
فقال لنفسه : يا ابن الخطاب
كنت وضيعا فرفعك الله
وكنت ضالا فهداك الله
وكنت ذليلا فأعزك الله
ثم حملك على رقاب الناس
فجاء رجل يستعديك (اى استعنت به عليه فأعاننى ) على من ظلمه فضربته
ماذا تقول لربك غدا؟
فجعل يعاتب نفسه معاتبة ، فظننت أنه من خير أهل الارض
ومن هذا القبيل ما كان يسمع فيه وهو خليفه
يقول كالساخر وما هو بساخر : ( بخ بخ يا ابن الخطاب ، أصبحت أمير الؤمنين )..
وكلما اعتز من حوله _ من خاصه أهله وخلصاء رعاياه _ بما يرونه فيه من بسطه السلطان المبسوط ، والكلمه العاليه ،
فقال لأ صحابه يوما
مر ببعض الشعاب (وهو انفراج بين الجبلين أو هو الطريق ) على مقربة من مكه
(لقد رأيتنى فى هذه الشعاب أرعى ابل الخطاب ، وكان غليظا يتعبنى ، ثم أصبحت وليس فوقى أحد ).
وضايقت هذه الكلمة ابنه ، فقال له
ما حملك على ما قلت يا أمير الؤمنين؟)
قال
ان أباك أعجبته نفسه ، فأحب أن يضيعها )( أى يقلل من شأنها)
وانظر هنا الى كلمة( أمير المؤمنين) يقولها الابن ، ثم انظر الى كلمة ( أباك ) يقولها أمير الؤمنين
من هذا القبيل أيضا ركوعه لله ذليلا خاشغا يوم أمر (أبا سفيان ) ان ينقل الحجر من مكانه فنقله
فخشع لله الذى جعله يأمر ( أبا سفيان) فى شغاب مكه ، فيسمع لما أمر ...
وليس هذا وأشباهه تصاغرا يكشف الصغر ، وانما تواضع يكشف القوه والاعتداد بها ، وتكبحها بعنان متين
هو نفسه دليل القوه والاعتداد والاعتدال
لله درك يا بن الخطاب