نفيسة العلم … كريمة الدارين
نشأت السيدة نفيسة في جو يسوده العلم والورع والتقوى،
وفي وسط يزخر بالعلماء والعبّاد والزهّاد… فقرأت القرءان وحفظته،
ودرست العلم ووعته، وسمعت مسائل الحديث والفقه ففهمتها.
وكانت رضي الله عنها مُجابة الدعوة، أظمأت نهارها بالصيام،
وأقامت ليلها بالقيام … عرفت الحق فوقفت عنده والتزمت به،
وعرفت الباطل فأنكرته واجتنبته، واجتهدت بالعبادة حتى أكرمها الله بكرامات عديدة.
من هي؟
هي السيدة نفيسة بنت أبي محمد الحسن الأنور بن زيد الأبلج
بن الحسن السبط بن الإمام علي كرم الله وجهه.
فهي من دوحة النبوة التي طابت فرعًا، وزكت أصلا.
أمها فهي أم ولد، وأما إخوتها فأمهم أم سلمة بنت زينب بنت الحسن
بن الحسن بن الإمام علي كرم الله وجهه، وليس ذلك بضائرها أو مما ينقص من قدرها.
ولو نظرنا قديمًا لوجدنا أن نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام قد تسرّى بهاجر
فولدت له نبي الله إسمعيل عليه السلام، فكان من نسله الرسول الأكرم
صلى الله عليه وسلم، وأيضًا تسرّى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بمارية القبطية فولدت إبراهيم.
كانت السيدة نفيسة عفيفة النفس، فما عُرف عنها أنها مدّت يدها لمخلوق، وكانت تنفق على نفسها وأهل بيتها من مالها أو مال زوجها، أو ما يأتيها مما تغزله بيدها.
وقد قيّض الله تبارك وتعالى لها أن تجتمع بفحول العلماء وأئمة الفقهاء، وشيوخ الزهّاد والعبّاد أمثال بشر بن الحارث المعروف بالحافي، وإمام أهل السنة الورِع أحمد بن حنبل، والإمام الشافعي، والإمام مالك وعبد الله بن الحكم، وأبي سعيد سحنون بن سعيد الفقيه المالكي والربيع بن سليمان المرادي من أصحاب الشافعي، والربيع الجيزي… وغيرهم كثير.
مولدها
كان من عادة الحسن الأنور والد السيدة نفيسة الجلوس في البيت الحرام، وذلك لكي يعطي للناس دروس العلم، ويناقشهم في أمور الفقه، ويتدارسون علوم القرءان.
وفي يوم، وهو على هذه الحال، أقبلت جارية لتزف إليه البشرى وتقول له: أبشر يا سيدي… فقد وُلدت لك الليلة مولودة جميلة، لم نرَ أحسن منها وجهًا، ولا أضوأ منها جبينًا، يتلألأ النور من ثغرها، ويشعّ من محيّاها.
فلما سمع الحسن الأنور هذه البشرى، فرح، وخرّ ساجدًا لله،
شكرًا على ما وهبه من نعمة، وحمدًا لاستجابة دعائه.
ثم أقبل على الجارية فأجزل لها العطاء… ثم قال لها:
مري أهل البيت فليسمّوها "نفيسة"، فسوف تكون إن شاء الله تعالى "نفيسة".
وُلدت السيدة نفيسة بمكة المكرمة يوم الأربعاء الحادي عشر من شهر ربيع الأول
سنة خمس وأربعين ومائة من الهجرة النبوية، وقد فرحت أمها بمولودتها،
ومما زاد في سرور الحسن الأنور أنها قريبة الشبه
بأخته السيدة نفيسة بنت زيد رضي الله عنها، وهي التي تزوج بها الخليفة
الوليد بن عبد الملك.
ولما سمع الحاضرون من صفوة الأخيار وصالحي المريدين نبأ ولادة
مولودة للحسن الأنور، قاموا وهنّأوه بتحقيق أمله، واستجابة دعائه
… فشكر لهم… ثم رفع يديه إلى السماء، وبسط كفيه بالدعاء والرجاء
قائلا: "اللهم انبتها نباتًا حسنًا، وتقبلها قبولا حسنًا طيبًا،
واجعلها من عبادك الصالحين، وأوليائك المقرّبين الذين تحبهم، ويحبونك.
اللهم اجعلها معدن الفضل، ومنبع الخير، ومصدر البرّ، ومشرق الهداية والنور،
اللهم اجعلها نفيسة العلم، عظيمة الحلم، جليلة القدر، قوية الدين، كاملة اليقين".
وعند البشرى أيضًا بمولد السيدة نفيسة قدم رسول الخليفة العباسي
أبو جعفر المنصور، وترجّل عن فرسه، ثم دخل المسجد الحرام،
وشقّ الصفوف حتى وصل إلى الحسن الأنور، ثم أخرج من جعبته كتابًا،
ورفع إليه مع هذا الكتاب هدية الخلافة وكانت عبارة عن كيس كبير
يحتوي على عشرين ألف دينار. وكان الكتاب يفوح منه رائحة
المسك والعطر والطيب، ففتحه الشيخ، وقرأه في تؤدة وأناة.
وكان القوم يسمعون وهم خائفون على كبير أهل البيت،
وعظيم بني هاشم أن يمسّه من الخليفة سوء، أو يناله منه مكروه،
ولكنهم لم يبرحوا حتى شاهدوا الحسن الأنور يبكي، فازدادوا قلقًا وخيفة عليه،
فسألوه عن فحوى كتاب الخليفة، فقال لهم وهو يبكي،
متهيبًا الموقف لعظيم الأمانة التي تُلقى على عاتقه:
"لقد وُلّيت المدينة المنورة واختارني الخليفة أميرًا عليها "
… فتهلل وجههم بالبشر، واستضاء جباههم بالفرح والسرور،
وقالوا له: هنيئًا لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل مثلك،
يقيم فيها لواء العدل، وينشر فيها راية الحق، ويبثّ في جنباتها وبين ربوعها
الأمن والطمأنينة والسلام والإنصاف… هنيئًا لأهلها أن يظفروا بذلك كله
على يد ابن بار من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفّذ الأحكام ويقيم الحدود،
ويُحيي السنن، ويُجدّد معالم الدين الحنيف.
فدع عنك التردد… فلعلك تجد مظلومًا تُنصفه، أو ملهوفًا تُغيثه،
أو أسيرًا تفكّه، أو شريدًا طريدًا تحميه وتؤويه، فلما سمع الحسن الأنور
منهم هذا القول سرّي عنهم وقال لهم:
"إذا كانت تلك الإمارة نعمة من الله علينا وعلى الناس كانت تلك الوليدة بشيرها
– يقصد السيدة نفيسة – وإذا كانت الإمارة كرامة لنا فإن الوليدة الجديدة رسولها".
نشأتها
نشأت السيدة نفيسة نشأة شريفة، فبعد أن درجت بمكة تحوطها العزة والكرامة،
اصطحبها أبوها وهي في الخامسة من عمرها إلى المدينة،
وأخذ يلقنها أمور دينها ودنياها، فحفظت القرءان،
ولقّنها حديث النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، وسمعت سيرة الصالحين،
وصفات المتقين، ولم يقتصر في تربيتها على الحفظ والرواية،
والدراسة والتلقين، بل حرص أن يجمع في تربيتها بين القول والعمل.
فكان يشاركها معه في نسكته وعبادته، ويُقرئها معه أوراده،
وكثيرًا ما كان يصحبها إلى المسجد النبوي لتشهد جماعة المسلمين،
ولتنظر بعينها إلى مواكب الأخيار، ووفود الأبرار وهم يترددون بشوق
على مسجد النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم.
وقد بارك الله لها في طفولتها، فلم تبلغ الثامنة من عمرها حتى فرغت
من حفظ كتاب الله تعالى، وشيئًا غير قليل من السنّة النبوية
وكانت لا تفارق أباها في حلّه وترحاله، فكان لها قدوة حسنة وأسوة صالحة.
فأشرق صدرها بنور الإيمان، وخالطت نفسها حلاوة الطاعة.
وكثيرًا ما كانت تدعو الله وهي صغيرة قائلة:
اللهم حُلّ بين قلبي وبين كل ما يشغلني عنك وحبّب إليّ كل ما يقرّبني منك،
ويسّر لي الطريق لطاعتك، واجعلني من أهل ولايتك،
فإنك المرجو في الشدائد، المقصود في النوائب والملمّات.
ومن بين الذين التقت بهم السيدة نفيسة في المدينة الإمام مالك رضي الله عنه
الذي كان حديث الفقهاء والمسلمين بكتابه "الموطأ" وفقهه الذي انتشر في الأمصار.
وكان الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة من أرفع العلماء قدرًا،
وأكثرهم ورعًأ، وأصحهم حديثًا، وأقرأهم لكتاب الله رضي الله عنه.
وكانت تجتمع في بيت أبيها الحسن بصفوة العماء وخلاصة الفقهاء،
وفحول الشعراء وكبار الأدباء، فكانت تستمع إليهم وتروي عنهم،
تأخذ من أقوالهم وتحفظ من حكمتهم ما يغذّي عقلها المتفتح،
ويضيء نفسها الزكية. فكانت صاحبة عقل راجح، وهمّة عالية،
وعزيمة صادقة، وفكرة سليمة، ونشاط متجدد.
زواجها
بلغت نفيسة العلم وكريمة الدارين سن الزواج، فرغب فيها شباب ءال بيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني الحسن والحسين رضي الله عنهما،
كما تهافت لخطبتها الكثير من شباب أشراف قريش لما عرفوا من خيرها وبرّها
وإيمانها وتقواها... وكان أشدهم حرصًا عليها إسحق بن جعفر الصادق
وهو الذي كان يُلقّب بين أقرانه، ويُعرف بين الناس بإسحق "المؤتمن"
لكثرة أمانته وقوة إيمانه ودينه.
ولم يكن هذا الشاب بغريب عنها فهو ابن جعفر الصادق بن محمد الباقر
بن علي زين العابدين بن الحسين سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولقد رأى إسحق الناس يخطبون السيدة نفيسة من أبيها الحسن الأنور،
ومنهم العلماء الأفاضل، والعباد الأعلام، وكان أبوها إذا سأله الناس عن سبب رفضه لهم قال:
"إني أريد أن أؤدي الأمانة إلى أهلها، وأردّ القطرة إلى بحرها،
وأغرس الوردة في بستانها". فإذا سمع الناس منه ذلك أمسكوا عن الكلام،
وقالوا: لعلّ في الأمر سرًا لا ندركه ولا ندريه.
لكن إسحق رأى أن يُجرّب حظه، فيطلب الزواج بالسيدة نفيسة،
فاستخار الله تعالى، وذهب إلى عمه ومعه كبار أهل البيت.
فرحّب بهم الحسن ضيوفًا كرامًا. لكنه امتنع عن تزويج السيدة نفيسة لإسحق،
فانصرفوا من عنده يعصر الألم قلوبهم لأن إسحق لا يُردّ.
قام إسحق من عند الحسن، وفي نفسه حزن كبير، وذهب إلى المسجد النبوي،
ووقف في محرابه الميمون، وأخذ يصلي، فلمّا فرغ دخل الحجرة النبوية
ووقف عند القبر الشريف وقال: السلام عليك يا رسول الله،
السلام عليك يا سيد المرسلين وخاتم النبيين وحبيب رب العالمين..
إني أبثك لوعتي، وأنزل بك حاجتي، وأعرض عليك حاجتي..
ولطالما استغاث بك الملهوفون، واستنجد بعونك المكروبون،
فقد خطبت "نفيسة" من عمي "الحسن" فأباها عليّ..." ثم سلّم وانصرف.
فلما كان الصباح بعث إليه الحسن فأدهشه ذلك فلما لقيه قال له:
لقد رأيت الليلة جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحسن صورة
يُسلّم عليّ ويقول لي: "يا حسن زوّج نفيسة ابنتك من إسحق المؤتمن"
. فتمّ زواجها يوم الجمعة في الأول من شهر رجب
سنة إحدى وستين ومائة للهجرة.
وبزواجهما اجتمع في بيتها نوران، نور الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة،
فالسيدة نفيسة جدها الإمام الحسن وإسحق المؤتمن جده الإمام الحسين
رضي الله عنهما.
وكان إسحق من أهل الفضل والاجتهاد والورع، روى عنه الكثير من الناس الحديث والآثار، فقد كان محدثًا ثقة مأمونًا صادقًا.
وجاء في عمدة الطالب: وأما إسحق بن جعفرالصادق ويكنى أبا محمد،
ويُلقّب "المؤتمن" فقد وُلد بالعريض، وهو وادٍ بالمدينة،
وكان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان سفيان بن عيينة
شيخ الإمام الشافعي رضي الله عنهما إذا ما روى عنه يقول:
حدّثني الثقة الرضا إسحق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم.
ويروي المقريزي في خططه: وتزوج بنفيسة إسحق بن جعفر أهل الصلاح والخير والفضل والدين.
رحلتها إلى مصر الكنانة
كان للسيدة نفيسة مكانة في قلوب المسلمين عامة،
والمصريين خاصة. وكان أهل مصر يلتقونها في موسم الحج،
ويسألونها زيارتهم في بلدهم لكثرة ما سمعوا عن فضلها وعلمها،
فكانت ترحب بدعوتهم وتقول لهم: سأزور بلادكم إن شاء الله
فإن الله قد أثنى على مصر وذكرها في كتابه الكريم.
وقد أوصى جدي بأهلها خيرًا فقال:
"إن فتحتم مصرًا فاستوصوا بأهلها خيرًا، فإن لكم فيها صهرًا ونسبًا"...
وتقلبت الأحوال بآل البيت، وعُزل ولدها الحسن الأنور عن ولاية المدينة،
بعد وشاية بن أبي ذئب، وساءت الأحوال، وكثرت الفتن،
واضطربت الأمور بين ءال البيت في الانتقال إلى مكان ءاخر غير المدينة،
رغم أنها عزيزة عليهم، فعقدوا العزم على الانتقال إلى مصر،
وكانت سبقتهم إليها في زمن سابق السيدة الطاهرة زينب
بنت الإمام علي شقيقة الحسن والحسين وبنت فاطمة الزهراء عليها السلام
وحفيدة النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم.
رحّب المصريون بأهل البيت وعلى رأسهم السيدة نفيسة
وزوجها إسحق وإبناها القاسم وأم كلثوم وغيرهم من أبناء ءال البيت،
وتسابقوا في تكريمهم، وتنافسوا في استضافتهم.
فحظي بهذا الشرف السيد جمال بن الجصاص فأنزلهم في داره،
وأقامت السيدة نفيسة في مصر حتى توفيت ودفنت بها.
وعلى الرغم أن السيدة نفيسة نشأت في بيت أبيها يحيط بها مظاهر الترف
إلا أنها ءاثرت الزهد والتقشف، فكانت قليلة الأكل،
ويروى أنها كات تأكل كل ثلاثة أيام مرة.
قالت زينب بنت أخيها: خدمتُ عمتي السيدة نفيسة أربعين عامًا
فما رأيتها نامت بليل، ولا أفطرت إلا العيدين وأيام التشريق فقلت لها:
أما ترفقين بنفسك؟ فقالت: كيف أرفق بنفسي وأمامي عقبات
لا يقطعهن إلا الفائزون.
وكانت تقول: كانت عمتي تحفظ القرءان وتفسيره، وكانت تقرأ القرءان وتبكي.
من كراماتها
لما استقامت السيدة نفيسة رضي الله عنها بطاعة الله، أكرمها بكرامات كثيرة
نذكر بعضًا منها:
سلة الطعام:
قال القناعي رحمه الله: قلت لزينب بنت يحيى أخي السيدة نفيسة:
ما كان قوت عمتك؟ قالت: كات تأكل في كل ثلاثة أيام أكلة،
وكانت لها سلة معلقة أمام مصلاها، وكانت كلما طلبت شيئًا للأكل
وجدته في تلك السلة، وكانت لا تأخذ شيئًا من غير زوجها
أو ما يحبوها به ربها، فالحمد لله الذي جعل لنا نصيبًا مما جعل للسيدة
مريم بنت عمران عليها السلام".
جريان ماء النيل:
قال سعيد بن الحسن: توقف النيل بمصر في زمن السيدة نفيسة
فجاء الناس إليها وسألوها الدعاء، فأعطتهم قناعها، فجاءوا بها إلى النهر
وطرحوه فيه، فما رجعوا حتى فاض النيل بمائه وزاد زيادة عظيمة.
مع الثعبان:
روى عبد الرحمن الأوزاعي رضي الله عنه إمام الشام وفقيهها وعالمها
المتوفى سنة 158 هـ فقال:
قلت لجوهرة (إحدى إماء الحسين) هل رأيت من سيدتك الصغيرة نفيسة كرامة؟
قالت: نعم. كنت في يوم شديد القيظ، وإذا بتنين –ثعبان كبير-
قد جاءني وكان معي ماء لسيدتي نفيسة، فصار ذلك التنين يمرّغ خدّه على الإبريق
كأنه يتمسح به، متبركًا بمائها، ثم ذهب من حيث أتى.
دعاؤها للشافعي:
كان الإمام الشافعي رضي الله عنه إذا مرض يرسل لها رسولا من عنده،
كالربيع الجيزي أو الربيع المرادي، فيقرئها سلامه ويقول لها:
إن ابن عمك الشافعي مريض، ويسألك الدعاء فتدعو له،
فلا يرجع إليه رسوله إلا وقد عوفي من مرضه.
فلمّا مرض الشافعي مرضه الأخير، أرسل لها على عادته رسوله
يسألها الدعاء له، فقالت لرسوله: متّعه الله بالنظر إلى وجهه الكريم
(أي ذاته الكريم في الآخرة).
رؤياها لجدها صلى الله عليه وسلم:
قال زوجها إسحق المؤتمن يومًا لها: "ارحلي بنا إلى الحجاز"، فقالت:
لا أفعل ذلك إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وقال لي:
لا ترحلي من مصر فإن الله تبارك وتعالى متوفيك فيها.
وفاتها
أصاب السيدة نفيسة المرض في شهر رجب سنة مائتين وثمان للهجرة
وظل المرض يشتدّ ويقوى حتى رمضان، فبلغ المرض أقصاه،
وأقعدها عن الحركة، فأحضروا لها الطبيب فأمرها بالفطر، فقالت:
واعجباه! إن لي ثلاثين سنة وأنا أسأل الله أن يتوفاني وأنا صائمة ...
أفأفطر؟ وكان وراء ستار لها قبر محفور، فأشارت إليه وقالت:
هذا قبري، وها هنا أُدفن إن شاء الله، فإذا متُّ فأدخلوني فيها.
فلمّا فاضت روحها الطاهرة الشريفة دفنت في قبرها الذي حفرته بيدها،
وذلك بعد موت الشافعي بأربعين سنة ...
رضي الله عن السيدة نفيسة الطاهرة الشريفة، نفيسة العلم وكريمة الدارين.
اللهم أمّدنا بأمدادها واجمعنا بها في جنات النعيم مع النبيين والصديقين
والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقًا
والحمد لله رب العالمين.