درسين مهمين: تعلم ألا يغتر بعلمه في الشريعة، فهناك علم الحقيقة.
وتعلم ألا يتجهم قلبه لمصائب البشر، فربما تكون يد الرحمة الخالقة تخفي سرها من اللطف والإنقاذ،والإيناس وراء أقنعة الحزن
والآلام والموت,هذه هي الدروس التي تعلمها موسى كليم الله عز وجل ورسوله من هذا العبد المدثر بالخفاء.
والآن من يكون صاحب هذا العلم إذن..؟ أهو ولي أم نبي..؟ يرى كثير من (الصوفية) أن هذا العبد الرباني ولي من أولياء الله
تعالى، أطلعه الله على جزء من علمه اللدني بغير أسباب انتقال العلم المعروفة.. ويرى بعض العلماءأن هذا العبد الصالح كان نبيا..
ويحتج أصحاب هذا الرأي بأن سياق القصة يدل على نبوته من وجوه: -
1- أحدها قوله تعالى: (فَوَجَدَا عَبْدًامِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُمِنلَّدُنَّا عِلْمًا)أية(65) (الكهف)
2- والثاني قول موسى له -: (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنتُ عَلِّمَنِ مِمَّاعُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ
مَعِيَ صَبْرًا (67)وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (6 قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)
قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِ ثَلَكَ مِنْهُ ذِكْرًا)أية (70) من سورة (الكهف)فلو كان وليا
ولم يكن نبي، لم يخاطبه موسى بهذه المخاطبة، ولم يرد على موسى هذا الرد. ولو أنه كان غير نبي،
لكان هذا معناه أنه ليس معصوما،ولم يكن هناك دافع لموسى، وهو النبي العظيم،وصاحب العصمة،
أن يلتمس علما من ولي غير واجب العصمة.
3- والثالث أن الخضر
أقدم على قتل ذلك الغلام بوحي من الله وأمر منه..وهذا دليل مستقل علىنبوته، وبرهان ظاهر على عصمته،لأن الولي لا يجوز له
الإقدام على قتل النفوسبمجرد ما يلقى في خلده، لأن خاطره ليس بواجب العصمة.. إذ يجوزعليه الخطأ بالاتفاق.. وإذن ففي إقدام
الخضرعلى قتل الغلام دليل نبوته.
- 4 والرابع قول الخضر لموسى: -
(رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُعَنْ أَمْرِي) يعني أن ما فعلته لم أفعله من تلقاء نفسي، بل أمرأمرتبه من الله وأوحي إلي فيه.
فرأى العلماء أن (الخضر) نبيا، أما العباد والصوفية رأوا أنه وليا من أولياء الله.
ومن كلمات الخضر التي أوردها( الصوفية) عنه.. قول وهب بن منبه: قال الخضر:- يا موسى إن الناس معذبون في الدنيا على قدر
همومهم بها. وقول بشر بن الحارث الحافي.. قال موسى للخضر: أوصني.. قال الخضر: يسر الله عليك طاعته.
ونحن نميل إلى اعتباره نبي لعلمه اللدني، غير أننا لا نجد نصا في سياق القرآن على نبوته، ولا نجد نص امانعا من
اعتباره وليا آتاه الله بعض علمه اللدني.. ولعل هذا الغموض حول شخصه الكريم جاء متعمدا، ليخدم الهدف الأصلي للقصة..
ولسوف نلزم مكاننا فلا ن تعداهو نختصم حول نبوته أو ولايته.. وإن أوردناه في سياق أنبياء الله، لكونه معلم الموسى..
وأستاذا له فترة من الزمن