هو أسعد بن زرارة الأنصاري الخزرجي النجاري، قديم الإسلام، شهد العقبتين وكان نقيبًا على قبيلته ولم يكن في النقباء أصغر سنًّا منه، ويقال: إنه أول من بايع ليلة العقبة.
قصة إسلام أسعد بن زرارة :
خرج أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس إلى مكة يتنافران إلى عتبة بن ربيعة، فسمعا برسول الله فأتياه فعرض عليهما الإسلام، وقرأ عليهما القرآن، فأسلما ولم يقربا عتبة بن ربيعة، ورجعا إلى المدينة فكانا أول من قدم بالإسلام بالمدينة.
قال ابن إسحاق: فلما أراد الله إظهار دينه وإعزاز نبيه، وإنجاز موعوده له، خرج رسول الله في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار، فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم، فبينا هو عند العقبة لقي رهطًا من الخزرج أراد الله بهم خيرًا.
قال: "أمن موالي يهود؟" قالوا: نعم, قال: "أفلا تجلسون أكلمكم؟" قالوا: بلى، فجلسوا معه فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن، قال: وكان مما صنع الله بهم في الإسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا: إن نبيًّا مبعوثًا الآن قد أظل زمانه نتبعه، نقتلكم معه قتل عاد وإرم. فلما كلم رسول الله أولئك النفر ودعاهم إلى الله. قال بعضهم لبعض: يا قوم تعلمون والله إنه النبي الذي توعدكم به يهود فلا يسبقنكم إليه، فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام, وقالوا له: إنا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم, وعسى الله أن يجمعهم بك فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك, وتعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعنهم الله عليك فلا رجل أعز منك ثم انصرفوا راجعين إلى بلادهم قد آمنوا وصدقوا.
قال أبو نعيم أنه -أي أسعد بن زرارة- أول من أسلم من الأنصار من الخزرج.
أهم ملامح شخصية أسعد بن زرارة :
1- سرعة استجابته للحق :
ويتضح ذلك عندما عرض الرسول على النفر الذين جاءوا إلى عتبة, فلقيهم النبي وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن فأسلموا, وقيل: إن أول من قدم بالإسلام إلى المدينة كان أسعد بن زرارة وقد ذكرنا ذلك في قصة إسلامه.
وسبق القول بأنه ربما يكون أول من بايع بيعة العقبة الثانية.
2- إيجابيته في الدعوة :
فقد كان يسعى مع سيدنا مصعب بالمدينة ويتضح ذلك في قصة إسلام سيدنا أسيد بن حضير وسيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنهما وعنه وعن صحابة رسوله جميعًا.
3- عمق فهمه مع حداثة سنه وتقديره للبيعة :
ويظهر ذلك من موقفه في بيعة العقبة الثانية، يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: فقمنا نبايعه -أي رسول الله - فأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو أصغر السبعين، فقال: رويدًا يا أهل يثرب إنا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله, إن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف, فإما أنتم قوم تصبرون على السيوف إذا مستكم وعلى قتل خياركم وعلى مفارقة العرب كافة, فخذوه وأجركم على الله , وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر عند الله, قالوا: يا أسعد بن زرارة أمط عنا يدك, فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها, فقمنا إليه رجلاً رجلاً يأخذ علينا بشرطة العباس ويعطينا على ذلك الجنة.
من مواقف أسعد بن زرارة مع الرسول r :
روى الإمام أحمد بسنده عن جابر قال: مكث رسول الله بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة وفي المواسم بمنى يقول: "من يؤويني من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة", حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر كذا قال فيأتيه قومه فيقولون: احذر غلام قريش لا يفتنك ويمشي بين رجالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع حتى بعثنا الله إليه من يثرب, فآويناه وصدقناه فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن, فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه, حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام ثم ائتمروا جميعًا, فقلنا: حتى متى نترك رسول الله يطرد في جبال مكة ويخاف، فرحل إليه منا سبعون رجلاً حتى قدموا عليه في الموسم, فواعدناه شعب العقبة فاجتمعنا عليه من رجل ورجلين حتى توافينا, فقلنا: يا رسول الله نبايعك, قال: "تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل والنفقة في العسر واليسر, وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وأن تقولوا في الله لا تخافون في الله لومة لائم, وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة", قال: فقمنا إليه فبايعناه, وأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو من أصغرهم, فقال: رويدًا يا أهل يثرب فإنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله , وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف, فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله, وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خبيئة فبينوا ذلك فهو عذر لكم عند الله, قالوا: أمط عنا يا أسعد, فوالله لا ندع هذه البيعة أبدًا ولا نسلبها أبدًا, قال: فقمنا إليه فبايعناه, فأخذ علينا وشرط, ويعطينا على ذلك الجنة.
بعض المواقف من حياة أسعد بن زرارة مع الصحابة :
ذهب أسعد بن زرارة يومًا ومعه مصعب بن عمير إلى بستان من بساتين بني عبد الأشهل -أحد بطون الأوس- فجلسا فيه، واجتمع حولهما عدد من الذين أسلموا، فرآهما سعد بن معاذ وأسيد بن الحضير وهما يومئذ سيدا بني عبد الأشهل، ومن سادة الأوس أيضًا، فقال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير: لا أبا لك انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارنا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارنا، فإنه لولا أن أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك, فهو ابن خالتي، ولا أجد عليه مقدمًا فأخذ أسيد بن حضير حربته، ثم أقبل إليهم، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير: هذا سيد قومك قد جاءك فاصدق الله فيه، قال مصعب: إن يجلس أكلمه، فوقف عليهما متشمتًا فقال: ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة، فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع: فإن رضيت أمرًا قبلته، وإن كرهته كُفّ عنك ما تكره؟ فقال: أنصفت، ثم ركز حربته، وجلس إليهما فكلمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن، فقالا: والله لقد عرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله، ثم قال: ما أحسن هذا الكلام وأجمله! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين. قالا له: تغتسل فتطهر، وتطهر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، فقام واغتسل وطهر ثوبيه وشهد شهادة الحق، ثم قام فركع ركعتين..
ثم قال لهما: إن ورائي رجلاً إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه، وسأرسله إليكما الآن، وهو سعد بن معاذ، ثم أخذ حربته، وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليه سعد مقبلاً، قال أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم، فلما وقف على النادي، قال له سعد: ما فعلت؟ قال كلمت الرجلين، فوالله ما رأيت بهما بأسًا وقد نهيتهما فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حدثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك ليخفروك فقام سعد مغضبًا مبادرًا، تخوفًا للذي ذكر له من بني حارثة، فأخذ الحربة من يده، ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئًا، ثم خرج إليها فلما رآهما سعد مطمئنين عرف أن أسيدًا إنما أراد أن يسمع منهما، فوقف عليهما متشمتًا، ثم قال لأسعد بن زرارة: يا أبا أمامة! والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني، أتغشانا في دارنا بما نكره وقد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير: أي مصعب جاءك والله سيد من وراءه من قومه، إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان, فقال له مصعب: أو تقعد فتسمع, فإن رضيت أمرًا أو رغبت فيه قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره, قال سعد: أنصفت، ثم ركز الحربة وجلس, فعرض عليه الإسلام وقرأ عليه القرآن, قالا: فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم لإشراقه وتسهله, ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟ قالا: تغتسل فتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصل ركعتين.
أثر أسعد بن زرارة في الآخرين :
قال ابن إسحاق: عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: كنت أقود أبي حين ذهب بصره فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان بها صلى على أبي إمامة أسعد بن زرارة قال: فمكثت حينًا على ذلك لا يسمع لأذان الجمعة إلا صلى عليه واستغفر له. قال: فقلت في نفسي, والله إن هذا بي لعجز، ألا أسأله؟ فقلت: يا أبتِ ما لك إذا سمعت الأذان للجمعة صليت على أبي إمامة؟ فقال: أي بني, إنه كان أول من جمع بنا بالمدينة، في هرم البيت من حرة بني بياض في بقيع يقال له: بقيع الخَضِمات قال: قلت: وكم أنتم يومئذ؟ قال: أربعين رجلاً.
وفاة أسعد بن زرارة :
قال محمد بن إسحاق: وتوفي في تلك الأشهر -أي بعد الهجرة مباشرة- أبو أمامة أسعد بن زرارة والمسجد يبنى -أي مسجد الرسول ، أخذته الزبحة أو الشهقة، رحمه الله ورضي عنه.
وذكر الواقدي أنه مات على رأس أشهر من الهجرة رواة الحاكم في المستدرك من طريق الواقدي عن أبي الرجال، وفيه جاء بنو النجار فقالوا: يا رسول الله مات نقيبنا فنقب علينا, فقال: "أنا نقيبكم".
وقال البغوي أنه أول من مات من الصحابة بعد الهجرة وأنه أول ميت صلّى عليه النبي , وروى الواقدي من طريق عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال: أول من دفن بالبقيع أسعد بن زرارة, وهذا قول الأنصار.
وأما المهاجرون فقالوا: أول من دفن به عثمان بن مظعون.
المراجع:
الإصابة في تمييز الصحابة ابن حجر العسقلاني.
البداية والنهاية ابن كثير.
التاريخ الإسلامي محمود شاكر.