بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحَمْدُ وَالثَّنَاءُ لِعَيْنِ الوُجُودِ، وَالصَّلاَةُ عَلَی وَاقِفِ مَوَاقِفِ الشُّهُودِ،[4] وَعَلَی آلِهِ أُمَنَاءِ المَعْبُودِ.[5]
يا رفقاء سفر مُلك السعادة والصفاء، ويا رفقاء طريق الخلوص والوفاء، امْكُثُوا إنِّي آنَسْتُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً لَعلی آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ.روايات ظهور الحكمة من القلب علی اللسان
وقد روي عن سيّد الرسل وهادي السُبل بطرق عديدة، قال:
مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً ظَهَرَتْ يَنَابِيعُ الحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَی لِسَانِهِ. [الشرح]
وقد ورد هذا الحديث بعبارات مختلفة ومعانٍ متّحدة. وقد شاهدنا عياناً وعَلِمنا بأنّ هذه المرحلة الشريفة من مراحل العدد لها خاصيّة وتأثير متفرّدَين في ظهور القابليّات وتتميم المَلَكات وفي طيّ المنازل وقطع المراحل. [الشرح]
ومع كثرة منازل الطريق، إلاّ أنّ في كلّ منزل منها مقصداً ؛ ومع زيادة المراحل، فإنّك إذا دخلت في هذه المرحلة فقد أتممتَ عالَماً.
شواهد متنوّعة علی خاصّيّة عدد الاربعين في فعليّة إيصال القوي وحصول المَلَكات
ولقد تمّ تخمير طينة آدم أبي البشر بِيَدِ القدرة الإلهيّة في أربعين صباحاً: وَخَمَّرْتُ طِينَةَ آدَمَ بِيَدِي أَرْبَعِينَ صَبَاحاً.[الشرح] حيث طوي في هذا العدد عالَماً من عوالم القابليّة. وجاء في رواية أنّ جسد آدم بقي ملقي بين مكّة والمدينة أربعين عاماً تهطل عليه أمطار الرحمة الإلهيّة، حتّي أضحي بهذا العدد قابلاً لتعلّق الروح القدسيّة.
ولقد تمّ ميقات موسي عليه السلام في أربعين ليلة، ونجي قومه من التيه بعد أربعين عاماً. [10]
وقد خُلع علی خاتم الانبياء صلّي الله عليه وآله وسلّم خلعة النبوّة بعد أربعين سنة من خدمة الحقّ.
كما أنّ زمن طيّ عالم الدنيا وظهور القابليّة ونهاية تكميل هذا العالَم في أربعين سنة. حيث ورد أنّ عقل الإنسان يكمل في سنّ الاربعين حسب قابليّة ذلك الإنسان. [الشرح] والإنسان في نموّ منذ بدء دخوله في هذا العالَم حتّي يبلغ سنّ الثلاثين، ثمّ إنّ بدنه يقف في هذا العالَم عشر سنين، فإن هو أتمّ الاربعين [الشرح] انتهي سفره في عالم الطبيعة ؛ [الشرح] و بدأ سفره في عالم الا´خرة. وكلّما شدّ الرحال للسفر في أيّامه أو سنواته فارتحل عن هذا العالَم، تناقصت قوّتُه سنةً بعد أُخـري، وضعـف نور سـمعه وبصـره، وانحطّـت قـواه المادّيّة، وازداد ذبول بدنه، إذ انتهت مدّة سفره وإقامته في هذا العالَم في أربعين سنة.
ولذا فقد ورد:
مَنْ بَلَغَ الاَرْبَعِينَ وَلَمْ يَأْخُذِ العَصَا فَقَدْ عَصَي.
ذلك أنّ العصا علامة السفر، والمسافرُ مندوب إلی حمل عصاه عند سفره. وتأويل العصا هو الاستعداد لسفر الا´خرة والتهيّؤ للرحيل (فمن لم يحمل عصاه، كان غافلاً عن فكرة السفر).
وكما أنّ الجسم يبلغ كماله في هذه المدّة، فإنّ مرتبة السعادة أو الشقاء تكتمل خلالها. ولذا ورد في الحديث بأنّ الرجل إذا بلغ الاربعين فلم يُفلح بالتوبة، فإنّ الشيطان يمسح وجهه ويقول: بَأَبِي وَأُمِّي وَجْهٌ لاَ يُفْلِحْ أَبَداً.[14] ويقول له: لقد سُجِّل اسمُك في جُندي. وأمّا ما ورد في الاخبار مِن أنّ مَن قادَ أعمي أربعينَ قَدَماً فدلّه علی الطريق وجبتْ له الجنّةُ، فإنّ المراد بظاهره عمي البصر، وتأويله عمي البصيرة. ذلك أنّ أعمي البصيرة لم يخطُ تمام أربعين قدماً من مرحلة القابليّة ليدخل في مرحلة الفعليّة، حتّي لو كان قد اقترب منها، فإن تُرِك ذلك الاعمي وسبيله لعاد إلی حيث كان. وتمام الإحسان وحصول الهداية في إتمام الاربعين، وبهذه الحيثيّة تجب له الجنّة.