الثوب الذي توفي فيه النبي صلوات الله وسلامه عليه :
عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ : (( دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا إِزَارًا غَلِيظًا مِمَّا يُصْنَعُ بِالْيَمَنِ وَكِسَاءً مِنْ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْمُلَبَّدَةَ ، قَالَ : فَأَقْسَمَتْ بِاللَّهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ فِي هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ ))[1]
قال النووي : فيه مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الزَّهَادَة فِي الدُّنْيَا وَالإِعْرَاض عَنْ مَتَاعهَا وَمَلاذّهَا وَشَهَوَاتهَا وَفَاخِر لِبَاسهَا وَنَحْوه , وَاجْتِزَائِهِ بِمَا يَحْصُل بِهِ أَدْنَى التَّجْزِئَة فِي ذَلِكَ كُلّه , وَفِيهِ النَّدْب لِلاقْتِدَاءِ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا وَغَيْره .[2]
وفي عون المعبود : ( وَكِسَاء مِنْ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْمُلَبَّدَة ) : قَالَ الْحَافِظ : اِسْم مَفْعُول مِنْ التَّلْبِيد وَقَالَ ثَعْلَب : يُقَال لِلرُّقْعَةِ الَّتِي يُرَقَّع بِهَا الْقَمِيص لُبْدَة , وَقَالَ غَيْره : الَّتِي ضُرِبَ بَعْضهَا فِي بَعْض حَتَّى تَتَرَاكَب وَتَجْتَمِع اِنْتَهَى . وَقَالَ النَّوَوِيّ : قَالَ الْعُلَمَاء : الْمُلَبَّد هُوَ الْمُرَقَّع , يُقَال لَبَدْت الْقَمِيص أَلْبُدهُ بِالتَّخْفِيفِ فِيهِمَا , وَلَبَّدْته أُلَبِّدهُ بِالتَّشْدِيدِ , وَقِيلَ هُوَ الَّذِي ثَخُنَ وَسَطه حَتَّى صَارَ كَاللِّبَدِ . اِنْتَهَى .
تسجية الرسول صلى الله عليه وسلم :
ولمات مات صلى الله عليه وسلم سجوه
عن عَائِشَة قَالَتْ : (( سُجِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَاتَ بِثَوْبِ حِبَرَةٍ ))[3]
قَوْلهَا : ( سُجِّيَ) مَعْنَاهُ : غُطِّيَ جَمِيع بَدَنه .
وَالْحِبَرَة : وَهِيَ ضَرْب مِنْ بُرُود الْيَمَن .
وَفِيهِ : اِسْتِحْبَاب تَسْجِيَة الْمَيِّت , وَهُوَ مُجْمَع عَلَيْهِ .[4]
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : (( أُدْرِجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُلَّةٍ يَمَنِيَّةٍ كَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ نُزِعَتْ عَنْهُ وَكُفِّنَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ سُحُولٍ يَمَانِيَةٍ لَيْسَ فِيهَا عِمَامَةٌ وَلا قَمِيصٌ فَرَفَعَ عَبْدُ اللَّهِ الْحُلَّةَ فَقَالَ أُكَفَّنُ فِيهَا ثُمَّ قَالَ لَمْ يُكَفَّنْ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُكَفَّنُ فِيهَا فَتَصَدَّقَ بِهَا ))[5]
كفن النبي صلى الله عليه وسلم :
ـ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : (( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُفِّنَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَةٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهِنَّ قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ ))[6] .
قال الحافظ : رُوِيَ (أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاة وَالسَّلام كُفِّنَ فِي ثَوْبَيْنِ وَبُرْد حِبَرَة) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث جَابِر وَإِسْنَاده حَسَن , لَكِنْ رَوَى مُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث عَائِشه أَنَّهُمْ نَزَعُوهَا عَنْهُ , قَالَ التِّرْمِذِيّ : وَتَكْفِينه فِي ثَلاثَة أَثْوَاب بِيض أَصَحّ مَا وَرَدَ فِي كَفَنه . وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة " لُفَّ فِي بُرْد حِبَرَة جُفِّفَ فِيهِ ثُمَّ نُزِعَ عَنْهُ " يُمْكِن أَنْ يُسْتَدَلّ لَهُمْ بِعُمُومِ حَدِيث أَنَس " كَانَ أَحَبّ اللِّبَاس إِلَى رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم الْحِبَرَة " أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ .[7]
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : (( كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ ؛ أَمَّا الْحُلَّةُ فَإِنَّمَا شُبِّهَ عَلَى النَّاسِ فِيهَا أَنَّهَا اشْتُرِيَتْ لَهُ لِيُكَفَّنَ فِيهَا ، فَتُرِكَتْ الْحُلَّةُ ، وَكُفِّنَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ فَأَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ : لأَحْبِسَنَّهَا حَتَّى أُكَفِّنَ فِيهَا نَفْسِي ، ثُمَّ قَالَ : لَوْ رَضِيَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ لَكَفَّنَهُ فِيهَا ، فَبَاعَهَا وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا ))[8]وعند الترمذي (( فَذَكَرُوا لِعَائِشَةَ قَوْلَهُمْ فِي ثَوْبَيْنِ وَبُرْدِ حِبَرَةٍ فَقَالَتْ قَدْ أُتِيَ بِالْبُرْدِ وَلَكِنَّهُمْ رَدُّوهُ وَلَمْ يُكَفِّنُوهُ فِيهِ ))[9]
قال النووي : السَّحُولِيَّة بِفَتْحِ السِّين وَضَمّهَا وَالْفَتْح أَشْهَر وَهُو رِوَايَة الأَكْثَرِينَ .
قَالَ اِبْن الأَعْرَابِيّ وَغَيْره : هِيَ ثِيَاب بِيض نَقِيَّة لا تَكُون إِلا مِنْ الْقُطْن , وَقَالَ اِبْن قُتَيْبَة : ثِيَاب بِيض , وَلَمْ يَخُصّهَا بِالْقُطْنِ , وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ مَنْسُوبَة إِلَى سُحُول قَرْيَة بِالْيَمَنِ تُعْمَل فِيهَا
وَقَالَ الأَزْهَرِيّ : السَّحُولِيَّة - بِالْفَتْحِ - مَنْسُوبَة إِلَى سُحُول مَدِينَة بِالْيَمَنِ , يُحْمَل مِنْهَا هَذِهِ الثِّيَاب , وَبِالضَّمِّ ثِيَاب بِيض , وَقِيلَ : إِنَّ الْقَرْيَة أَيْضًا بِالضَّمِّ , حَكَاهُ اِبْن الأَثِير فِي النِّهَايَة .
وَهَذَا الْحَدِيث يَتَضَمَّن أَنَّ الْقَمِيص الَّذِي غُسِّلَ فِيهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُزِعَ عَنْهُ عِنْد تَكْفِينه , وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب الَّذِي لا يُتَّجَه غَيْره ; لأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ مَعَ رُطُوبَته لأَفْسَدَ الأَكْفَان .
قَوْله : ( مِنْ كُرْسُف ) هُوَ الْقُطْن . وَفِيهِ : دَلِيل عَلَى اِسْتِحْبَاب كَفَن الْقُطْن .
قَوْلهَا : ( أَمَّا الْحُلَّة فَإِنَّمَا شُبِّهَ عَلَى النَّاس فِيهَا ) قَالَ أَهْل اللُّغَة : وَلا تَكُون الْحُلَّة إِلا ثَوْبَيْنِ : إِزَارًا وَرِدَاء .[10]
تغسيل النبي صلى الله عليه وسلم :
عن عَائِشَة قالت : (( لَمَّا أَرَادُوا غَسْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا : وَاللَّهِ مَا نَدْرِي أَنُجَرِّدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ثِيَابِهِ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا أَمْ نَغْسِلُهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ ، فَلَمَّا اخْتَلَفُوا أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ النَّوْمَ ، حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلا وَذَقْنُهُ فِي صَدْرِهِ ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ مُكَلِّمٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ لا يَدْرُونَ مَنْ هُوَ : أَنْ اغْسِلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ ، فَقَامُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَسَلُوهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ يَصُبُّونَ الْمَاءَ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَيُدَلِّكُونَهُ بِالْقَمِيصِ دُونَ أَيْدِيهِمْ ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَلَهُ إِلا نِسَاؤُهُ ))[11]
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : (( لَمَّا غَسَّلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ يَلْتَمِسُ مِنْهُ مَا يَلْتَمِسُ مِنْ الْمَيِّتِ فَلَمْ يَجِدْهُ فَقَالَ بِأَبِي الطَّيِّبُ طِبْتَ حَيًّا وَطِبْتَ مَيِّتًا ))[12]
عَنْ عَامِرٍ بن شراحيل قَالَ : (( غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، وَهُمْ أَدْخَلُوهُ قَبْرَهُ قَالَ حَدَّثَنَا مَرْحَبٌ أَوْ أَبُو مَرْحَبٍ أَنَّهُمْ أَدْخَلُوا مَعَهُمْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَلَمَّا فَرَغَ عَلِيٌّ قَالَ إِنَّمَا يَلِي الرَّجُلَ أَهْلُهُ ))[13]
قال في عون المعبود : وَأَمَّا اِبْن شِهَاب فَرَوَى عَنْ اِبْن الْمُسَيِّب قَالَ : (( إِنَّمَا دَفَنُوهُ الَّذِينَ غَسَّلُوهُ وَكَانُوا أَرْبَعَة عَلِيّ وَالْفَضْل وَالْعَبَّاس وَصَالِح شُقْرَان , قَالَ وَلَحَدُوا لَهُ وَنَصَبُوا اللَّبِن نَصْبًا , قَالَ وَقَدْ نَزَلَ مَعَهُمْ فِي الْقَبْر خَوْلِيّ بْن أَوْس الأَنْصَارِيّ اِنْتَهَى .