السحر الاسود لشيخة الروحانية المغربية أم حمزة 00212710369662
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

السحر الاسود لشيخة الروحانية المغربية أم حمزة 00212710369662

السحر الاسود المغربي للشيخة الروحانية المغربية ام حمزة المرجوا التواصل عبر الوتساب00212710369662
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 سيرة نبي الله يوسف عليه السّلام.

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
admin
Admin



عدد المساهمات : 12750
تاريخ التسجيل : 23/08/2013

سيرة نبي الله يوسف عليه السّلام. Empty
مُساهمةموضوع: سيرة نبي الله يوسف عليه السّلام.   سيرة نبي الله يوسف عليه السّلام. Icon_minitimeالثلاثاء مايو 14, 2019 2:51 am

سيرة نبي الله يوسف عليه السّلام.






مقدّمة: سورة يوسف هي أوّل سورة حُملت من مكّة إلى المدينة (قاله الزّركشي في البرهان وكذا ابن كثير في أسد الغابة عن ابن اسحاق) ,قدم بها أبو مالك رَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ العَجْلَانِ (*) بعد أن بايع النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم العقبة.
(*ويكنّى أيضا أبو رفاعة وهو نقيبٌ, عقبيٌ بدريٌ، شهد العقبة الأولى والثانية، وكان نقيب بني زريق,قتل يوم أحد شهيدًا).


ومن أراد أن يقف على أخبار نبيّ الله يوسف عليه السّلام فليقرأ هذه السورة ولينيخ المطايا عند آياتها وعجائبها, ويتدبّر كلام أهل العلم متأمّلا ما خطّوه من الحكم والعبر التي فتح الله عز وجل عليهم بها, يحفظها ويفهمها ويُمعن النّظر فيها, ففي ذلك الخير الكثير لكلّ مسلم عامّة ولطالب العلم خاصّة . فمن اكتفى بكلام الله عز وجل وصحيح خبر رسوله صلى الله عليه وسلم وفهمه وتدّبره يستغني عن كلّ شيء سواه من الإسرائيليات وكلام أهل الكتاب وغيرهم, ورحم الله شُريْح القاضي إذ قال: "...فإنك لن تضل ما أخذت بالأثر".


قال عز وجل في مطلع سورة يوسف: "ألر* تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ "
يخبر الله جلّ وعز عن كتابه العزيز أنّه بيّن بيانا تامّا, جليُّ الألفاظ والمعاني, يُفصح عن المُبهم ويفسّره ويضرب الأمثال لتعيَها أّذنٌ واعية. وهو في جلالته وعزّه وبيانه كاف عن سواه من الكتب, وعن ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : " كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثُ تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ وَغَيَّرُوهُ وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكِتَابَ وَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ لَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا يَسْأَلُكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ "(البخاري وغيره)
قال ابن السّعدي رحمه الله: "واعلم أن الله ذكر أنه يقص على رسوله أحسن القصص في هذا الكتاب، ثم ذكر هذه القصة وبسطها، وذكر ما جرى فيها، فعلم بذلك أنها قصة تامة كاملة حسنة، فمن أراد أن يكملها أو يحسنها بما يذكر في الإسرائيليات التي لا يعرف لها سند ولا ناقل وأغلبها كذب، فهو مستدرك على الله، ومكمل لشيء يزعم أنه ناقص، وحسبك بأمر ينتهي إلى هذا الحد قبحا، فإن تضاعيف هذه السورة قد ملئت في كثير من التفاسير، من الأكاذيب والأمور الشنيعة المناقضة لما قصه الله تعالى بشيء كثير."


وأنزله الله تعالى باللسان العربي الذي هو أشرف الألسنة وأفصحها ليعقل آياته أولو الألباب, فكلّما ازداد القارئ علماً وفهما في كتاب الله عز وجل زاده الله إيمانا ورفعة. فهو كتاب عربيّ ليس كسابقه من الكتب السّالفة إذ لم يسبقه كتاب بلغة العرب فيما نعلم. "فأنزل سبحانه وتعالى أشرف الكتب بأشرف لسان, على أشرف الرسل, بسفارة أشرف الملائكة, في أشرف البقاع, وابتدئ إنزاله في أشرف الشهور ]ونزل كاملا إلى السّماء الدّنيا في أشرف ليلة[, فكمل من جلّ الوجوه" (ابن كثير بتصرّف من غير المعكوفتين)


قال جلّ وعز: "نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ"
قصّ: أي أخبر وأورد, وأصلها: قصّ الأثر أي تتبّعَ مواقع الأقدام ليَعْرِفَ منتهى سير صاحبها.
ولا يُسمى المَقصوصُ قصصاً إلاّ إذا كان فيه تتبّع أحداث الخبر على علم من النّقلِ. وهذا القصص أوحاه الله عز وجل لنبيّه صلى الله عليه وسلّم قرآنا يُتلى إلى يوم القيامة, منّة وفضلا منه عزّ وجل ليهدي به العباد إلى السّعادة الأبديّة والفوز العظيم في الدّارين وهذا نظيرُ قوله عز وجل: "وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ."
"والغفلة : انتفاء العلم لعدم توَجّه الذهن إلى المعلوم,ونكتة جعله من الغافلين دون أن يوصف وحده بالغفلة للإشارة إلى تفضيله بالقرآن على كل من لم ينتفع بالقرآن فدخل في هذا الفضل أصحابه والمسلمون على تفاوت مراتبهم في العلم" (التحرير والتنوير).


وأمّا القاصُّ فهو الملك جلّ وعلا, يقُصّ أحسنَ القصص المتناهية في الحُسن بما تضمّنته من كمال الكلام والنّظم والبيان, وإعجاز أسلوبه وما تضمّنته من العبر والحكم, وجاء عن سعد بن أبي وقّاص أنه قال:" أنزل القرآن على رسول الله ، فتلا عليهم زمانا ، فقالوا : يا رسول الله لو قصصت علينا ، فأنزل الله تبارك وتعالى : { الر تلك آيات الكتاب المبين } إلى قوله : { نحن نقص عليك أحسن القصص }" (صحّحهُ الألباني).
ثمّ قصّ الله عز وجلّ خبر نبيّه يوسف وأبيه عليهما السّلام وإخوته, قال عزّ وجل: "إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ"
وهذه رؤيا رآها يوسف عليه السّلام في منامه وأخبرها أباه يعقوب عليه السّلام لما علم أنّ للرؤيا تعبيرا, وقد ثبت عندنا عن أبي رُزيْن العقيلي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ، وهي على رِجْلِ طائرٍ ما لم يُحدّث بها ، فإذا حدّث بها وقعت " وأحسبه قال : " لا تحدث إلا حبيبا أو لبيبا" رواه التّرمذي, وفي رواية أبي داود ، قال : " الرؤيا على رجل طائر ما لم تُعْبَر ، فإذا عُبِرَت وقعت " . وأحسبه قال : " ولا تقصها إلا على وادٍّ أو ذي رأي "
كأن الرّؤيا معلّقة بالطير السريع طيرانه لا تستقر قرارا كالشيء المعلق على رِجْلِ طائر لا يستقر تأويلها حتى تعبر, قال النووي : يشبه أنه يراد به أنه إذا أخبر بها من لا يحبه ربما حمله البغض والحسد على تفسيرها بمكروه فيقع على تلك الصفة ، فإن الرؤيا على رجل طائر ومعناه : أنها إذا كانت تحتمل وجهين ، ففسرت بأحدهما.
قال الشيخ الألباني في الصّحيحة: "الحديث صريح بأن الرؤيا تقع على مثل ما تعبر ، و لذلك أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن لا نقصها إلا على ناصح أو عالم ، لأن المفروض فيهما أن يختارا أحسن المعاني في تأويلها فتقع على وفق ذلك ، لكن مما لا ريب فيه أنذلك مقيد بما إذا كان التعبير مما تحتمله الرؤيا و لو على وجه ، و ليس خطأ محضا و إلا فلا تأثير له حينئذ و الله أعلم."(انتهى).
و قد أشار إلى هذا المعنى الإمام البخاري في " كتاب التعبير" من صحيحه فقال : " باب من لم يرَ الرؤيا لأوّلِ عابرٍ إذا لم يصب". وكان أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلمّ يقصّون رؤياهم على حبيبهم وقرّة أعينهم عليه الصلاة والسّلام فيَعْبُرُها لهم.
وفرّق في الإخبار عمّا رأى بين الكواكب والشّمس والقمر لاختلافها عن الكواكب الأخرى لمن يراها. وكانت هذه الرّؤيا إحسانا وفضلا من الله عزّ وجل على نبيّه لينبّهه بعلوّ شأنه في الدّنيا والآخرة وأنّه سوف يصير به الحال إلى أن يخضع له أبويه وإخوته جميعا ويسجدوا له إكراما وتشريفا, وذلك ممّا يحصل له من اجتباء الله عز وجل له واصطفائه ونبوّته.
فعبّر يعقوب عليه السّلام الرّؤيا لابنه البارّ يوسف عليه السلام وقدّم بين ذلك ألاّ يُخبر بها أخوته صيانة له ولهم من أن ينزغ الشّيطان بينهم ويشعل نيران الغيرة والحسد, قال عز وجل : "قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"
هكذا عبّر يعقوب عليه السّلام الرّؤيا, أي: بأنّ الله عزّ وجل سوف يجتبيك ويتمّ نعمته عليك وعلى آل يعقوب بالعلم والعمل والرّفعة المنزلة الشّريفة كما سبق منه عز وجلّ أن تفضّل بهذه الآلاء على أبويك إسحاق والخليل إبراهيم عليهما السّلام, وهذا والله لهو الفضل المبين, نسأل الله من فضله وعطاءه.
ووجّه يعقوب عليه السّلام نصيحة الأب لابنه الحبيب أن يُخفي هذه الرّؤيا عن إخوته لما عَلِمَهُ من الحسد الذي ينزغ الشّيطان به بين إخوته, فيعمدوا إلى مُدبّر فيحتالوا له الحيل ويبغوا له الغوائل ف-"الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ", فأمره بالبُعد عن الأسباب التي تجعل الشيطان يوقع بين الإخوة خاصّة والنّاس عامّة.
ثمّ ذيّل الآية بقوله : "إنّ ربّك عليم حكيم" وهكذا هو دأب الصالحين في تعليم أبناءهم أسماء الله عز وجل وصفاته, ليحفظوها ويحْيوْا بها, فإن يعقوب عليه السّلام كانت حياته كلّها لله عز وجل يعلّمه اللهُ تعالى من الكتاب والحكمة ثمّ يُعلّمها النّاسَ وأبناءَه ليرثوا العلم من بعده ويحملوه إلى من بعدهم, قال عز وجل: "أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" وقولهم: "إلهك" أي: الله عز وجل الذي علّمتنا أسماءه وصفاته فأحببناه وعبدناه معك في حياتك ولم نشرك به طرفة عين, هو الله جل وعزّ الذي كنت تتوكّل عليه على جميع أحوالك وتدعوه رغبا ورهبا وفي كلِّ حياتك وترجوه, فنحن لن نعدل عن عبادته من بعدك أبدا, فلتقرّ عينُك.
قال اللهُ جلّ وعز: "لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ" وهذه الآية فيها من التّشويق للقارئ والسّامع أن يتأهّب فيُرعي قلبهُ لما سيأتي من أحداث هذه القصّة البالغة في الحسن غايته, فإنّ فيها العِبر والمواعظ الجسيمة لكلّ مُستخبرٍ عن قصّة نبيّه يوسف وإخوته, فإنّ فيها الخبر الذي يستحقّ أن يَسأل عنه كل ساعٍ لمعالي المطالب.
قال اللهُ جلّ وعز: "إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ "
ابتدأ جل وعز في ذكر اجتماع إخوة يوسف على تدبير أمرٍ يكونُ فيه إبعادُ يوسف عليه السلام عن وجه أبيه يعقوب وذلك لِما تراكم في قلوبهم من الحسد والغيرة من يوسف عليه السلام وأخيه لاختصاصهم بحبّ يعقوب لهم دون سائر أبنائه مع إقرارهم أنّه نالوا حبّ الوالد لهم بقولهم "أحبُّ" لكنّهم جازفوا في تغليط أبيهم في ميل قلبه بالمحبّة ليوسف وأخيه مع أنّه –بزعمهم- ليس هناك دواعي لذلك التّفضيل والاختصاص, بل نحن-بزعمهم- أولى بهذا الحبّ منهم لكوننا عصبة ملتأمة, رجاءُ الانتفاع فينا أقربُ منهما ولا نرى أيُ موجب لاختصاصهم بالحبّ دوننا. ولم يعلموا أنّ يعقوب عليه السلام كانت عندهُ موجبات أهل التّقوى والعُبودية لحبّ ابنيه أشدّ من اولائك, وسيُظهر الله عز وجل ذلك لهم بعد أن يقضي أمراً كان مفعولا, عندها يعلمُ إخوة يوسف أنّ هذا التّفضيل في المحبّة من قبل أبيهم كان لأسباب تتعلق بحبّ الله عز وجل ليوسف عليه السّلام واجتبائه واصطفائه بالرّسالة والشرف وعلوّ المنزلة في الدنيا والآخرة دون كثير من النّاس, الذين قال فيهم عز وجل: "قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى".
" اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ" أي: غيّبوهُ عن أبيكم بأن تقتلوهُ أو تُلقوه في أرض سحيقة بعيدة حتى تستفردوا أنتم بقلب أبيكم فيُقبل عليكم بالمحبّة والشفقة بعد أن كان مشغولا بحبّ غيركم. ثمّ سَلّوْا أنفسهم بعزم التّوبة بعد أن يقترفوا الذنب ليهونَ عليهم اقترافهُ.
ولا شكّ أن هذا ,رحمك الله, من تسويل الشّيطان لابن آدم حين تراودهُ نفسه باقتراف الذنوب والمعاصي, فيُزيّنُ له العملَ السيّء وينصب أمام عينيه المخرج من سخط الله عز وجل بالتّوبة بعد فعل الذنب فكأنه يَمكرُ السّيئة ويحتال لها ويمنّي نفسه الأماني ويُعطيها المُسكّنات, فيظنّ المسكين أنّ الأمر يكون بهذه السّهولة ولا يدري أنّ للذنبِ آثارٌ وعقوبات أشد من قرضٍ بالمقاريض وضرب بالسّيوف, نسأل اللهَ السّلام والعافية.
فائدة: قوله تعالى: "قوماً صالحين" يومئُ إلى أنّهم عزموا التّوبة قبل الفعل ثمّ منّوْا أنفسهم بأن صلاح الحال سوف يكون صفة من مقوّماتهم وسجيّة لهم لا ينفكون عنها أبدا.
فصرف الله عز وجل الإخوة عن التّدبير لقتل وليّه يوسف فأجمعوا على أمر آخر يحصل به المقصود وهو إبعاده عن أبيه قال الله عز وجل:"قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ" فأشار إليهم أحدهم أنّ القتل أعظم إثما وجرما, ولكن إن كنتم فِعلاً قد عزمتم على تغييب يوسف عن أبيه فأنا أرشدكم إلى سبيل أقوم من قتله, فأشار إليهم أن ألقوه في قعر الجُبّ وظلمته, والجُب هي البئر التي لم تُطوَ (وقيل: وكانت ممّا وُجد لا ممّا حفرهُ النّاس, وقال الفرّاء أنّ وسطها واسع), فتجيء السّيّارة فتتناوله ويذهبوا به بعيداً عن أبيه وبذلك يحصل المطلوب من غير اقتراف الذنب العظيم.
قال أهل العلم: وهذا أحسنهم وأمثلهم رأياً وأقربهم إلى التّقوى إذ اقتصد في الانتقام واكتفى بما يحصلُ به القصد والغرض دون إفراط وإسراف في الإثم. فانظر رحمك الله إلى إنصاف أهل العلم في هذه القضيّة إذ لم يُفوّتوا تبيين أفضلية رأي هذا الأخ على رأي خلاّنه فأبرزوه من بين رُكام المؤامرة والكيد بنبيّ الله يوسف عليه السّلام, وإن كانوا مجتمعين بأجمعهم على إبعاد يوسف عليه السّلام عن أبيه بغير حق إلاّ أن تخفيف الضّرر محمود بلا نزاع.
قال الله تعالى: "قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ * قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ" ظاهر هذه الآيات أنّ يعقوب عليه السّلام كان يحبس يوسف عليه السّلام من الخروج مع إخوته إلى البرّ لخوفه عليه من أن يمسّه سوء من إخوته أو غيرهم, وأنّه لا يأمنُ عليه إخوته في حفظه ومداومة حراسته. فقدّموا دعاوى يُريدون بها كسر هذا المانع والإرباع على أبيهم في تسليمهم يوسف عليه السلام, فادّعوا قائلين لأبيهم إنّه ليس هناك موجبٌ أن تخاف على يوسف ونحن إخوته نبذل له النّصح ببذل الإخلاص له بالمحبّة والشفقة والحفظ, فأرسله بصحبتنا في الغدِ يروّح عن نفسه, يرتع ويلعب وهو في ذات الآن يكون تحت أنظارنا ورعايتنا فلا يغيب عنّا طرفة عين. وإنّما أرادوا بكلّ هذه الدّعاوى, التي تلبس قناع المحبّة والشّفقة, تليين قلب الوالد وتنشيط الدّوافع في نفسه ليُرسل يوسف عليه السّلام معهم وإزالة الخوف عنه منهم.

يتبع...


رد مع اقتباس رد مع اقتباس
11-27-12, 03:12 PM #2 عيسى محمد عيسى محمد غير متواجد حالياً
شخصية مهمة

تاريخ التسجيل
02-11-2006
الدولة
المغرب
المشاركات
14,669
فائدة في معنى كلمة "يرتع": الرّتعُ هو الأكل والشّربُ رغداً في الرّيف وهو مكان الخضرة والمياه, ويقال الرّتعُ التّنعم كما في حديث أُمّ زَرْع: في شِبَعٍ ورِيٍّ ورَتْعٍ أَي تَنَعُّمٍ. وقيل: الرّتعُ هو السّعيُ والجريُ بانبساط (لسان العرب).
فأظهر يعقوب عليه السّلام لبنيه مدى حبّه ليوسف عليه السّلام قائلا: " قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ" فلا يطيقُ أن يغيب يوسف عنه طرفة عين لفرط محبّته له لِما علم فيه من الخير العظيم وشمائل النّبوة, فخاف عليه السّلام أن ينشغلوا برميهم وسبقهم عن يوسف عليه السّلام فيخلو به الذئبُ فيجترّئ عليه ويهاجمهُ لِما تَحسُّهُ من ضعف يوسف عليه السلام عن دفاعها وصغر سنّه, وفي هذا المعني قال الرّبيع بن ضبع الفزاري يشكو ضعف شيخوخته: "والذئب أخشاه إن مـررت بـه *** وحدي وأخشى الرّياح والمطرا".
وطبيعة الذّئاب أنّها إذا أسالت الدّم من خصمها ورأيتهُ استأسدت عليه ولربّما مزّقته إرباً ومن خلقها الاحتيال والنّفور.
فأجابوا أبيهم مستبعدين ما تخوّفه على يوسف عليه السّلام قائلين: "لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ" فوصفوا أنفسهم بالخسران ونفي الفتوّة والقوّة ومقوّمات الرّجال إن فرّطوا في حفظهم لأخيهم الذي زعموا محبّته أمام أبيهم خاصّة أنّهم جماعة واحدة على قلب رجل واحد كما زعموا. فاستبطنوا الإهلاك والإبعاد وأظهروا الصّلاح الودّ فحينئذ سمح يعقوب عليه السّلام بإرسال مهجة قلبه يوسف عليه السّلام معهم واستجاب لمُرادهم في أن يصحبهم إلى البّر.
قال عز وجل: "فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ *وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ"
فلمّا استجاب يعقوب عليه السّلام لمُراهم بعد أن راودوه عن يوسف عليه السّلام بالدّعاوى المُزيّفة انطلقوا بأخيهم إلى البرِّ بعيداً عن والدهم الشّفيق, وقد كانوا قد اجتمعوا على إلقائه في أسفل الجُبّ, نفّذوا مكرهم فيه وحقّقوا مُبتغاهم من إبعاد يوسف عليه السّلام عن وجه أبيه إلاّ أن الأخرى التي راموا لها لم تتحقّق لهم بل كان الأمر بخالف ما جال في خاطرهم, إذ ازدادت محبّة الأب لابنه حين فقده فصار كلّ شيء يُذكّره بيوسف عليه السّلام حتى قال أبناءه معاتبين له: "تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ".
ولمّا ألقيَ يوسف عليه السّلام في البئر أوحى الله عز وجلّ إليه يُسلّيه ويطمئن قلبهُ أنّ العاقبة للمُتّقين, فسوف يأتي يوم تُسفرُ لهم عن ماضيهم هذا وفعلتهم العظيمة التي لم يُراعوا فيها قلبَ أبيهم النبيّ وما سيحلُّ به من الحزن والأسف عليك وتخبرهم بما تجرّؤوا به على إلقائك في هذا الجبّ المظلم حيث لا جليس ولا أنيس وأنت الأخُ لهم من أبيهم أصغرهم وأضعفهم قوّة, كلّ ذلك لم يحرّك فيهم شفقة ولا رحمة, فاصبر فإنّ الله جلّ وعزّ غالبٌ على أمره.
ولمّا أتمّوا مكرهم بيوسف وفعلتهم المكيدة رجعوا إلى أبيهم عشاء يبكون دليلا لهم على صدق ما سوف يدّعونه لأبيهم, ولاحظ رحمك الله, كيفّ عبّر سبحانه عن تباكيهم بلفظة "يبكون" , كأنّهم اصطنعوا بُكاء يتشابهُ عليك بالبكاء الحقيقي, ولا تجدُ هذا التّمويه إلاّ عزيزاً نادراً, فكيف وقد جاءوا أباهم بعد مغيب الشمس حيث إذا اطّلعت عليهم شقّ عليك التّفرس في وجوههم لترى ملامح الكذب والتّصّنع, فأتقنوا التّباكي واختيار الوقت.
" قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ"
أنظر كيف أظهروا الأسف والجزع متلبّسين بالتّباكي والحزن مخاطبين أباهم بنداء الأبّوة "يا أبانا" تأليفا لقلبه عليهم يَقصّون عليه الكذبَ بأوضح عبارة, زاعمين أنّهم ذهبوا يتسابقون بينهم إمّا بالجري على الأرجل أو بالرّمي والنّضال وتركوا أخاهم يوسف عليه السّلام عند أمتعتهم راحة لهُ لصغر سنّه وضعف قوّته, فابعدهم التّسابق عن مكان أخيهم حتّى حُجِبَ عنهم, فجاء الذّئبُ في غيبهم وتجرّء عليه فقتله وأكل منه, ثمّ أتبعوا يوثّقون صدق حديثهم بقولهم:
"وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ" أي: وما نراك بمُصدّق لنا على كلّ حال وإن كان ما قصصناهُ عليك هو الحقّ, وهو كذلك, فنحن نعذرك في تكذيبنا إذ أنّ الذي كنت تخشاهُ قد وقع.
وأدلوا ببيّنة على صدق حديثهم أن جاءوا بقمص يوسف عليه السّلام الذي خرج معهم فيه وقد لطّخوه بدم مكذوب بكونه دم يوسف يوهمون أنّ الذئب أكل يوسف وتلطّخ قميصه بهذا الدّم المزعوم.
(فائدة: قال تعالى: "وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ" وأمّا ما ذكر من أنّ الدم المكذوب دم الغنمِ فلا دليل عليه وكذلك ما ذكر أنّهم جاءوا بقميص غير ممزّق فكانت آية ليعقوب عليه السّلام أن كشف مكرهم, فبعيد جدا إذ لا يعزُبُ عنهم مثل ذلك وهم عصبة. وعلى أيّ حال فلا يوجد بين أيدينا خبر صحيح عن تلك الكيفيات وقد تقدّم الكلام عن مثل هذه المسائل في أول السّورة فلتُراجع.)
إلاّ أن هذا الاختلاق لم يَرُج على نبيّ الله يعقوب عليه السّلام فردّ عليهم مُطّمئنا نفسه على الصّبر مُستعينا بالله عز وجل على ذلك: "قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ"
فأبطل عليه السّلام دعواهم الفاسدة قائلا بتصرّف: "بل قد زيّنت لكم أنفسكم أمراً قبيحاً للتّفريق بيني وبين حِبّي يوسف, فأمّا أنا فسأصبر صبراً جميلاً غير مُصاحب للجزع والقلق, بل أصبرُ صبرَ الرّاضي بقدر الله عز وجل مؤمن بحكمته في كلّ ابتلاء ومحنة, مسلّم أمري لأحكم الحاكمين, مُستعلياً عن الشّكوى إلاّ إليه مُستعيناً به سبحانه على ما تدّعونه من الافتراء والكذب", فهو عليه السّلام لم يلتفت إلى بُكائهم وما جاؤوا به من الدّلائل الكاذبة لِما رأى من القرائن والسّوابق ما يدلّ على صدق ما آل إليه, فإنّ مثل هذا لا يَرِج على أولي الألباب. (فائدة: قال الألوسي في روح المعاني وكذا السّيوطي في الدرر النثور: أخرج ابن المنذر عن الشعبي رضي الله عنه قال : جاءت امرأة إلى شريح رضي الله عنه تخاصم في شيء ، فجعلت تبكي ، فقالوا : يا أبا أمية ، أما تراها تبكي؟ فقال : قد جاء اخوة يوسف أباهم عشاء يبكون.).
قال الله عز وجل مُخبرا عمّا جرى ليوسف بعد إلقائه الجبّ: "وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ * وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ" مكثَ يوسف عليه السّلام في ذلك الجبّ ما شاء الله عز وجل حتى جاءت قافلة تُريد البئرَ, فأرسلوا من يستقي لهم الماء, فلمّا أرسل الدّلوَ في البئر لنزع الماء تعلّق به يوسف عليه السّلام وأشعر بنفسهِ أنّه أسفل البئر فلمّا رآهُ الواردُ استبشر وابتهج لعثوره ونادى مُخبراً بقيّة السيّارة قائلا: "يا بُشرى هذا غلام" وذلك لأنّ مثل هذا في بيعه مَرْبَحاً مُحقّقا وإن كان قليلاً كما سيأتي, فأسرعوا في إخفائه بينهم وكتموا أمرَهُ حتّى لا يطلبوهُ أهله فينتزعوه منهم, فجعلوه معهم وقد جعلوه بضاعة يعرضوه للبيع حال وصولهم أرض قومهم. ثم قال عز وجل: "وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ" أي أنّ الله عز وجل محيط بكل ما يحدث, وأنّه يُمضى ذلك كلّه لحكمة أرادها سبحانه وتعالى فأفعاله لا تنفك عنها الحكمة أبداً وإن كان ظاهر الأمر ما يُكره إلاّ أنّ العاقبة للمُتّقين, ففي عثور السّيارة على يوسف عليه السّلام آية تدلّ على لُطف الله عز وجل بأوليائه الصالحين إذْ سخّر له من ينزعه من تلك الظلمة والوحشة.
قال الله جلّ وعزّ " وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ" فما لبثوا أن باعوه لرجل من مِصْرَ بثمن قليل قال عز وجلّ عنها أنّها "دراهم معدودة" فلم يقدروا قدر نفائس الأشياء, وكانوا غير راغبين في إغلاء ثمن يوسف عليه السّلام, فوصفهم الله عز وجل أنّهم "كانوا فيه من الزّاهدين" أي من صِنْفِ أولئك الزّاهدين الذين يكون عندهم الشيء النّفيس الغالي فيبيعونه بأقل من الثمن الذي يستحقّه وذلك لعدم تمييزهم بقدر البضاعة التي ظفروا بها. (فائدة: الضمير في قوله تعالى "وشروهُ" عائدٌ على السيّارة في أصح التّفاسير بدلالة النّص عليه دلالة واضحة واستقامة المعنى مع الآيات التي قبلها والتي بعدها وهذا ما اختاره قدوة المُفسّرين قتادة رحمه الله تعالى, ولا يُعدلُ عنهُ إلى أنّ الضميرَ عائدٌ على إخوة يوسف إلا بخبر يقين من الكتاب أو السّنة, ولا خبر, ومن قال بذلك زعم أنّهم حين جاءت السيّارة كانوا قريباً منه فسارعوا إلى نسبه لهم كعبد أبق وباعوه للسيّارة, وهذا تكلّف مع النّص وقولُ غَيْبٍ يحتاج إلى توثيقٍ يقوم به, والمطلوبُ هو الوقوف حيث وقف النّص)
"وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ"
ووصّى الذي اشتراهُ زوجتَهُ أن تُحسنَ إقامتهُ في البيتِ وذلك لِما توسّمَ فيه من الخير والفلاح والمَنفعة في جميع أمورهم, فيعودُ أثر ذلك الإحسان عليهم أن يُعينهم في معيشتهم وجميع أمورهم أو أن يستمتعوا فيه باتّخاذه ولداً لهم يُحبّونه كحُبّ الوالدين لأبنائهم ويتمتّعوا بِبِرِّهِ لهم وببذل الإحسان إليهم. وستُبيّنُ الآيات المُقبلة أنّ الرّجل الذي اشتراهُ هو "عزيزُ مِصر", أي: له مَكانة شريفة في حاشية المَلِكِ لذلك قال جلّ وعزّ بعدها: "وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ"
فبإنجائهِ من الجُبّ وبيعهِ بثمن بخسٍ ولطف الله عز وجل به أن اشتراهُ عزيزُ مصر واطمأنّ له وأوصى به زوجته لِما توسّم فيه من كمال العقل والفهم والمنفعة, فكلّ ذلك مُقدّمة لتمكين الله عز وجل ليوسفَ في الأرض وتعليمه تعبير الرُّؤى يتميّزُ بها في تلك البلاد, وستكون له سُلّماً لنيل منزلة شريفة في أرض مِصر كما سيأتي. ثمّ بيّن عز وجل أنّه يدبّر الأمور كيف يَشاء, لا راد لقضائه فهو الغالبُ على قدّره وأرادهُ, لا يُنازعهُ في ذلك أحد, مُنجز وعدهِ رُسله وإنْ كان يَخفى ظهور ذلك لكثير من النّاس وذلك لقصر إحاطتهم بالحِكم الباهرةِ والعواقب الحميدة.
ثمّ تتابعت السّنون على ذلك الأمر حتّى بلغَ يوسف عليه السّلام كمال قوّته المعنويّة والحسّية فاستكمل عقلُه وخلقتهُ, ليمُنّ الله عز وجل عليه بالنّبوةِ والرّسالة ويُعلّمهُ ممّا يشاء ليكون رسولاً نبيّا وعالماً ربّانيّا وزادهُ علمًا أنْ علّمهُ من تأويل الأحاديث, قال عزّ وجل: "وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ" فكان ذلك كلّه جزاء ليوسف عليه السّلام على تمام إحسانهِ اتّجاه ربّه عزّ وجل في العبادة واتّجاهِ عباده الله ببذل النّدى وكفّ الأذى والنّصح لهم, وقد قال عزّ وجل: "وهل جزاءُ الإحسان إلاّ الإحسان".
(فائدة: قوله عز وجل "بلغ أشدّهُ", ربّما تُقدّر بأربعين سنة لقوله عزّ وجل في سورة الأحقاف: "حتى إذا بلغ أشدّه وبلغَ أربعين سنة" فعطفَ المُفصّل على المُجملِ لبيانِ معنى شدّةِ البلوغ, وكان بَدْأ الوَحيِ على النبيِّ محمد صلى الله عليه وسلّم حينَ بلغ هذا العُمر فكأنّ فيه تمامُ العقلِ وكمال الخلقةِ ليتحمّل أحمال النّبوة والرّسالة , والله تعالى أعلم)
قال جلّ وعز: "وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ * وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ"
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://rohaniyat.1forum.biz
 
سيرة نبي الله يوسف عليه السّلام.
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سيرة نبي الله يوسف عليه السلام
» سيرة السيدة رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
» سيرة السيدة رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
» سيرة الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه مدموجه بإنشوده روعه
» سيرة السيدة زينب عليها السلام بنت رسول صلى الله عليه وسلم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السحر الاسود لشيخة الروحانية المغربية أم حمزة 00212710369662 :: الروحانيات لقصص الأنبياء-
انتقل الى: