غزوة بدر الكبرى يوم الفرقان
غلت قلوب مشركي المدينة ويهودها حقدا وغيظا نبعد النصر المؤزر الذي حققه المسلمون في معركة بدر ، فأخذ يهود بني قينقاع {1} يطلقون الإشاعات الكاذبة ، ويسيئون إلى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، ولميكتفوا بذلك بل نبذوا العهود ، وخانوا الوعود ، ورفضوا دعوة رسول الله ، صلى اللهعليه وآله وسلم ، إلى الإسلام ، وأخذوا يفاخرون بقوتهم ، وبأن المسلمين غير قادرينعلى قتالهم ن فهم أهل قوة وبأس ، وأصحاب مران وخبرة ، لا كقوم رسول الله ، صلى اللهعليه وآله وسلم لا علم لهم بالحرب ولهذا أنزل الله سبحانه وتعالى فيهموإما تخافن من قوم خيانة فانبذإليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين 2
عندئذ تبرأ منهم عبادة بن الصامت الذي كانحليفهم ، أما حليفهم الثاني : عبد الله بن أبي رأس المنافقين ، فقد دافع عنهم وطلبمن رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم أن يصفح عنهم ، وذلك عندما حاصرهم فيحصونهم خمس عشرة ليلة ، وقال له : أتقتل سبعمائة رجل منعوني ودافعوا عني ؟ فقالرسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم: " هم لك لا بارك الله لك فيهم " والتفت إلىأصحابه وقال لهم : " خلوهم لعنهم الله ولعنه معهم " . وهكذا خرج يهود بني قينقاع منالمدينة المنورة بعد أن تركوا أموالهم غنيمة للمسلمين ، وذهبوا إلى أذرعات {3} حيثلم يمض عليهم العام حتى هلكوا جميعا ببركة دعاء النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم
غزوةأحد
حاول المشركون بعد هزيمتهم المنكرة في بدر ،وخاصة أولئك الذين قتل آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ، أن ينتقموا ويأخذوا بثأر قتلاهم، فمشوا إلى أبي سفيان بن حرب يطلبون منه المعونة على حرب محمد ، صلى الله عليهوآله وسلم . فجمعت قريش جموعها ومن انضم إليهم من العرب ، وخرجوا ومعهم كثير منالنسوة مثل هند بنت عتبة ، وأم حكيم بنت الحارث ، وفاطمة بنت الوليد وغيرهن ،ليحرضوا المشركين ويحثوهم على القتال ، ولما سمع رسول الله ، صلى الله عليه وآلهوسلم ، بخروج المشركين على رأس آلاف مقاتل بقيادة أبي سفيان بن حرب الأموي ونزولهمعند أحد استشار أصحابه ، أيخرج إليهم أم يبقى في المدينة ؟ لكنهم فضلوا الخروجوخاصة أولئك الشباب المتحمسون الذين لم يحضروا بدرا ، فوافقهم رسول الله ، صلى اللهعليه وآله وسلم ، وخرج إليهم متقلدا سيفه ن لابسا درعه ، واتجه بجيشه المؤلف من ألفمقاتل إلى أحد ، وفي الطريق استعرض جيشه فرد الصغار منه ، مثل عبد الله بن عمر ،وأسامة ابن زيد ، وزيد بن أرقم ، وأبو سعيد الخدري ... وقبل وصوله إلى أحد تخاذلبعض المنافقين وعلى رأسهم عبد الله بن أبي فانسحب ومعه ثلاثمائة رجل ، فأصبح عددالمسلمين سبعمائة رجل فقط ، ومضى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى وصلإلى أحد فانتقى خمسين راميا من جنده ، وأمرهم أن يرتفعوا إلى جبل عينين أو جبلالرماة ، وذلك ليحموا ظهور المسلمين ، كما أكد لهم أن يبقوا مكانهم لا يبرحونه ،حتى وإن هزم المسلمون أو انتصروا ، وتقدم الجيش حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبيطالب ، وعمر بن الخطاب ، والزبير بن العوام وغيرهم من الأبطال الصناديد رضي اللهعنهم وهؤلاء من المهاجرين ، وسعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة ، وغيرهم من الأنصار ،أما جيش المشركين فقد كان على ميمنته قائد سلاح الفرسان خالد بن الوليد ، وعلىميسرته عكرمة ابن أبي جهل ، أما قائد المشاة فكان صفوان ابن أمية ، وقارماة النبالعبد الله بن ربيعة ، واحتدمت المعركة بين جيش الحق ، وعلا صهيل الخيول ، وارتفع صوتقعقعة السلاح ، ثم دب الذعر والخوف في صفوف المشركين ، وتخاذلوا على كثرتهم أمامالمسلمين على قلتهم وولوا هاربين ، بعد أن قتل من قتل منهم من رؤوس الكفر والطغيان، لكن المسلمين ورغم النصر المبين الذي حققوه ، شعروا بالحزن والكآبة عندما فقدوابطلا من أعظم أبطالهم هو أسد الله : حمزة بن عبد المطلب ، عم رسول الله ، صلى اللهعليه وآله وسلم ، الذي قتله رجل يسمى وحشي غدرا وغيلة ، والذي سارع ليخبر هندا بنتعتبة التي قدمت إليه ، وبقرت بطنه وأخرجت أمعاءه ، ولاكت كبده ، وشارفت المعركة علىالانتهاء ، عندما بدأ المسلمون يطاردون فلول الأعداء ، ويجمعون الغنائم ، فلما رأىالرماة في أعلى هذا النصر وانهزام المشركين ، تركوا أماكنهم ، وانطلقوا يجمعونالغنائم ن مخالفين أمر رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما رأى خالد بنالوليد نزول الرماة ، عاد بجيشه ، مطوقا جيش المسلمين من الخلف ، فدبت الفوضى فيصفوف المسلمين ، وقتل أحد المشركين مصعب بن عمير حامل لواء المسلمين ، ثم أخذ يصيح : لقد قتلت محمدا ، وعندما شاع النبأ بين صفوف المسلمين ، ارتبكوا وتزعزعوا ، وهمبعض المسلمين بالرجوع إلى المدينة ، لولا صعود رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم، إلى جبل ينادى : " أنا رسول الله " ، عندئذ عادت الحمية إليهم وكروا على المشركينيدافعون عن رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، ويحمونه بأجسادهم ، عندما تركزتهجمات المشركين على رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، يريدون قتله ، فكسرترباعيته اليمنى وشقت شفته ، وجرحت وجنته وسال الدم الطاهر على وجهه الكريم ، ولمينقذ الموقف إلى الفارس البطل علي بن أبي طالب ، الذي فرق جموع المشركين ، وسعد بنأبي وقاص الذي رمى ألف سهم عليهم ، ثم بدأ المسلمون يلملمون جموعهم عائدين إلىالمدينة المنورة ، بعد أن فقدوا عدد من الصحابة الكرام
أمثال: حمزة بن عبد المطلب ،وعبد الله بن جحش ، ومصعب بن عمير ، وسعد بن الربيع ، وجميع الرماة وقائدهم عبدالله بن جبير وغيرهم وكان ذلك في الخامس عشر من شوال من السنة الثالثة للهجرةالنبوية
غزوةالخندق
ملأ الحقد قلوب اليهود من بني قينقاع وبنيالنضير ، عندما طردهم رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة المنورة ،وازدادوا حقدا بعد الانتصارات المتلاحقة التي حققها المسلمون ، فلجؤوا إلى المكيدةالخداع وحياكة المؤامرات ورأوا أن كل قبيلة بمفردها لا تستطيع محاربة المسلمينفشكلوا وفدا ذهب إلى أبي سفيان ، واتفقوا معه على ضرورة التخلص من الدعوة الإسلاميةوأهلها ، ثم اتجهوا نحو القبائل العربية ، يوغرون صدورهم ويملؤه بالعداوة والبغضاءعلى النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وأصحابه ن واستطاعوا تشكيل جيش عرف باسمالأحزاب ، مؤلف من ستة آلاف مقاتل ، ولما سمع رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم، نبأ المشركين وتحزب الأحزاب ، جمع أصحابه من مهاجرين وأنصار ومن بينهم سلمانالفارسي ن وطلب منهم المشورة ، عندئذ قام سلمان الفارسي وعرض على رسول الله ، صلىالله عليه وآله وسلم ، أن يحفر المسلمون خندقا حول المدينة ، يمنع المشركين مناحتلال المدينة أو دخولها ، فلاقت هذه الفكرة استحسانا من رسول الله ، صلى اللهعليه وآله وسلم ، وأمر بحفر الخندق ، وساهم المسلمون جميعا بهمة عالية ، في حفرالخندق ، وكان رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، يحفر بنفسه ، حتى صادفته صخرةقاسية ن عجز المسلمون عن تحطيمها ، فأمسك رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ،المعول ، وقال : " باسم الله " ثم ضربها ضربة ، فخرج منها نور شديد ، ثم ضربهاالضربة الثانية ، فتفتت ، ثم وبعد انتهاء حفر الخندق ، أصبحت المدينة كالحصن الحصين، جلس خلفها ألف مقاتل ، ينتظرون قدوم الأحزاب ، وفي الخامس من شوال من السنةالخامسة للهجرة ، تقدم جيش الأحزاب المؤلف من عشرة آلاف مقاتل ، بعد أن انضم إليهأربعة آلاف قرشي ، ودهشوا عندما رأوا الخندق يحيط بالمدينة كما يحيط السوار بالمعصم، فباءت خططهم بالفشل ، إلا أنهم قرروا حصار المدينة ، ولم يبق أمامهم أمل لدخولالمدينة ، سوي بني قريظة ، الذين نقضوا العهود والمواثيق ، فبات المسلمون في خطرمحدق ، إلا أن الله سبحانه وتعالى رد كيد بني قريظة إلى نحورهم عندما خافوا من جيشالمسلمين ، وخشوا أن يحل بهم مثلما حل ببني النضير وبني قينقاع ، ثم دارت بينالمتحاربين مناوشات بالنبال والسهام ، واقتحم عدد من المشركين الخندق ، إلا أنأبطال الإسلام ، كعلي بن أبي طالب وغيره كانوا لهم بالمرصاد ، ويئس المشركون من طولالحصار دون أن يتمكنوا من دخول المدينة ، وخاصة بعد فقدان الثقة بين قريش وبنيقريظة ، حتى توقع رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، أن ينسحب المشركون بينلحظة وأخرى ، إلا أن الله سبحانه وتعالى أجبرهم على الانسحاب ، بعد أن أرسل عليهمريحا عاتية ، اقتلعت خيامهم وقلبت قدورهم ، وأعمت عيونهم ، فبدأ الخوف والجزع ، ،يدب في أوصالهم ، فما كان من قائد هم الأعلى أبو سفيان بن حرب ، إلا أن سارع فيالانسحاب ، عائدا إلى مكة يجر ذيول الخيبة والخسران ، هذا وبعد خروج الأحزاب توجهرسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى بني قريظة ، لمعاقبتهم فحاصرهم فيحصونهم حتى استسلموا ، فخرجوا صاغرين {4} ، فحكم عليهم سعد بن معاذ بالقتل ، ونفذهذا الحكم العادل ، في سبعمائة يهوي أو يزيد . وهكذا كفى الله المسلمين القتال وغلبالأحزاب وحده ، هذا وقد اشترك المسلمون في غزوات أخرى ، في السنة السادسة من الهجرةحتى كانت غزوة الحديبة ، ثم تلاها غزوات وسرايا أخرى ، حتى كان يوم الفتح المبين