من صفات الله تعالى:
صفات الله تعالى لا حصر لها ولا عد فهو تعالى موصوف بالرحمة والكرم والمغفرة وكل صفات الكمال التي تليق بجلاله. نذكر في هذا الموجز بعضاً من هذه الصفات على أن نتوسع في إصدارات أخرى إن شاء الله تعالى:
أ- صفة الأولية وصفة الآخرية:
لقد وصف الله نفسه بأنه متصف بالأولية والآخرية فقال سبحانه وتعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ} [الحديد: 3].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول: "اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء" رواه مسلم.
فالأول معناه: لا بداية لوجوده.
والآخر معناه: لا نهاية لوجوده.
فالله هو الأول بحيث لا يتصور قبله وجود قط، وكلما وقع في ذهنك وجوداً، فاعلم أنه مخلوق لله وأن وجود الخالق أسبق منه، فالله هو الأول قبل كل شيء.
والذي نتيقن به أنَّ الله سبحانه وتعالى غير حادث ولا تعتريه صفة من صفات الحوادث، لأنه لو كان الله تعالى حادثاً لاعتراه الفناء والعدم، فيتحصل أن العدم أصل للوجود وهذا مما لا يقبله العقل ولا الواقع.
ومن العجيب أن ينكر الملحدون قول المؤمنين بالله: إنه الأول قبل كل شيء في الوقت الذي يصفون فيه المادة (السديم المادي) بالوصف نفسه، ويقولون: إنه لا خالق له في حين أن الأدلة متضافرة ومشاهدة تنطق بأن هذا الكون مخلوق من عدم، وأنه حدث بعد أن لم يكن شيئاً وأنه ليس أزلياً لا بداية له كما يزعمون بل الله الخالق هو الأول. (انظر دليل وجود الله).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان الله ولم يكن شيء غيره" رواه البخاري.
- والله هو الآخر ووجوده ممتد إلى غير نهاية بحيث لا يتصور بعده وجود، فهو باقٍ عزَّ وجلَّ ويتصف بصفة البقاء وكل ما عداه قابل للفناء وكلما وقع في ذهنك وجوداً فاعلم أن وجوده مخلوق لله تعالى وأنه يفنى ويهلك ويبقى الله الذي ليس بعده شيء.
قال الله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} [القصص: 88] {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ *وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن: 26- 27].
ب- صفة الحياة:
إن الله حي، وحياته ليست كحياتنا لأن حياتنا حادثة وقائمة بالروح ثم مآلنا إلى الموت. فحياته ليس كمثلها شيء.
وما مظاهر الحياة المشاهدة إلا أثر ضئيل لحياة الله القيوم، فالموت لا يكون على الخالق، لأن الموت يأتي عند انعدام أسباب الحياة ومجيء أسباب الموت، فإذا كانت أسباب الحياة من مخلوقات الله فحياة الله إذن قبل وجود هذه الأسباب، فحياة الله كاملة ليست مشروطة بوجود أسباب معينة.
قال الله تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وقال تعالى: {وَعَنَتْ(1)الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111].
وقال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان: 58].
ج- صفة العلم:
إن الله قد أثبت لنفسه صفة العلم فقال سبحانه وتعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ} [البقرة: 255].
فالله سبحانه وتعالى عليم بكل شيء، لم يسبق علمه جهل ولا يجري عليه نسيان ولا يخالف علمه الواقع، وعلمه محيط بما كان وما هو كائن الآن وما سيكون، فيستوي الماضي والحاضر والمستقبل في علم الله، وسأل فرعون موسى عليه السلام عن الأزمنة السابقة له، فقال الله تعالى في كتابه العزيز: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى (2)قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي (3) وَلا يَنسَى} [طه: 51 - 52].
وما هذا الكون وما فيه من إحكام واتقان إلا برهان وشاهد على شمول علم الله تعالى وحكمته لجميع الموجودات دقيقها وجليلها وعظيمها وحقيرها وصغيرها وكبيرها، فمن يخلق المخلوقات كلها عليم بأسرارها وخفاياها.
قال الله تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14].
قال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59].
وقال تعالى: {وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الأعراف: 89].
وقال تعالى: {وَمَا يَعْزُبُ (4) عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ(5) فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [يونس: 61]. _______________________
(1)
خضعت.
(2)
فما حال وشأن الأمم.
(3)
لا يغيب عن علمه شيء.
(4)
لا يغيب.
(5)
وزن أصغر هباءة.
وقال تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ(1)وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } [غافر: 19].
وقال تعالى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ (2) الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (3) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ(4) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ (5) بِالنَّهَارِ } [الرعد: 8 - 10].
وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ (6) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ (7) فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا (
وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ (9) وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ* يُولِجُ (10) اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الحديد: 4 - 6].
د- صفة الإرادة:
إن الله تعالى موصوف بصفة الإرادة فهو مريد وإن إرادته جلَّ وعلا شاملة، فلا يوجد في الكون شيء إلا ما أراده الله سبحانه تعالى قبل وجوده فما علم اللهُ وقوعَه فقد أراد وقوعه، وكل ما علم عدم وقوعه لم يرد وقوعه.
قال الله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: 68].
وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107].
وقال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ*فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 82 - 83].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يعلم بعضَ بناته أن تقول: "ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن" رواه داود.
والإرادة على معنيين:
إرادة بمعنى المشيئة والتخصيص وهي المقصودة هنا. وإرادة بمعنى المحبة مثل قوله تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ}[الأنفال: 67].